بعض العبادات نفعلها بشكل يومي ونجتهد فيها، ولكن قد يضيع الأجر منها، نتيجة تحويلها إلى عادات يومية، فقد نصلي ونصوم ونتصدق، ولكن بدون البوصلة الحقيقية التي دل عليها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، ألا وهي بوصلة الخشوع والخضوع والاستسلام إلى الله، وتوجيه النية الصادقة في أن هذه العبادة هي عبادة خالصة لوجهه الكريم سبحانه وتعالى.
يقول الله تعالى: " ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 2].
فالخشوع والاستسلام إلى الله، هو كلمة السر في معرفة الإنسان لربه، وفلاح المؤمن في الدنيا والآخرة يرجع إلى فَهْمه ومعرفته للسبب الذي من أجْله خَلَق الله الإنسان، واستخلفه في الأرض، وجعل له الإيمان بجبروته ووحدانيته بالبعث والنشور، طريقا يفتح له باب الاستسلام لله، فالخشوع يعني الإحسان والإجادة في العبادة، وحضور القلب حال أدائها، ولقد عدَّ الله الخشوع في الصلاة وهي أهمُّ عبادة مفروضة شرطًا من شروط فلاح المؤمنين بقوله ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾.
والخشوع هو العبادة الحقيقية والبوصلة الموجهة في كل عبادة، فبدون الخشوع يضل العابد، فالخشوع في الصلاة هو أساسها، فكلما افتتَح المؤمن صلاته، أتاه الشيطان اللعين بوساوسه وتخيُّلاته؛ ليحولَ بينه وبين الخشوع، والمؤمن دومًا يُجاهد نفسه في صلاته، ويَدفع عنها الأفكار والوساوس، ويَحرص على أن يُقبِل بكليَّته على الله.
والتأمُّل في سُنة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، علمنا أن الخشوع مطلبٌ عزيزٌ لا يُدرَك إلا ببَذْل بعض الأسباب، من بينها ألا نصلي ونحن جائعون أو ظمأى أو محسورين ببولتنا، وأن يغلب علينا السكينة حال المشي إليها، والإتيان بالأذكار المشروعة والسُّنن القبليَّة.
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبر وللخشوع أدلة وبراهين من أجل الوصول إليها، منها: استحضار عَظَمة الله - سبحانه وتعالى - الذي يُناجيه المصلِّي بأذكاره ودعواته، وركوعه وسجوده، وكذلك يُعين على الخشوع في الصلاة لومُ النفس على التقصير في العبادة، والخوف من الذنوب والخطايا المتقدِّمة، والتذلُّل بين يدي الله، فالتذلُّل ثمرةٌ عظيمةٌ لمشاعر عدة؛ منها: احتقار العمل، وعدم الامتنان على الله به، والخوف من عدم قَبول الطاعات وردِّها، ومتى استقرَّت في نفس المصلي هذه المشاعر، فإنه عندئذ يتهيَّأ قلبه لتدبُّر وتأمُّل ما يتلو أو يسمع من آيات القرآن الكريم.
وكذلك يتذكَّر المؤمن أنَّ الهداية ما هي إلا نعمةٌ من الله حين تمرُّ به الآيات التي تتحدث عن الهداية والضلال، وتحرِّك الآيات التي تذكِّر بالنِّعم الظاهرة والباطنة الشعورَ بالشكر والخوف من زوال النعمة ورفْع البركة، بسبب جحود النِّعمة والانشغال بها، وعدم شُكْر المُنعم بها، وعصيانه وكُفره.
ومن أكثر ما يجلب الخشوع في الصلاة التفكر في االله وثوابه وعقابه، و خيرَ ما يوقِظ واعظ الخشوع في قلب المصلي تذكُّرُ الموت وظلمة القبر ووحْشته .
فالخشوعَ في الصلاة هو المقياس الذي تتفاضل به الأعمال، فكم من أعمال قليلة ثَقُلت في ميزان الآخرة بخشوع صاحبها، وكم من أعمال كثيرة خفَّت في الميزان وأصبَحت هباءً؛ لأنها فقَدَت الخشوع وهو لبُّ العمل وجوهره.
وكم من صدقة تصدقت بها وافتقرت إلى الخشوع والتوجه بها خالصة لله تعالى، وكم من صيام صمته وأنت لا تأخذ من صيامك إلا الجوع والعطش.