في حالات كثيرة نصاب بالحيرة من تصرفات بعض البشر، من خلال بعض المواقف التي تفرض علينا، التعامل معهم، من خيانة أو غدر أو كذب أو سرقة، أو نميمة وغيبة ونفاق، أو سوء أخلاق ولسان، الأمر الذي يدفعنا في بعض الأحيان إلى فرض العزلة على النفس، متسائلين: "هل من الأفضل أن نعيش بعيدًا عن البشر ونحن منهم، وهل نحن ملائكة في مواجهة شياطين الإنس؟، وهل الإنسان مخلوق سوي صالح، أم أنه مخلوق شرير يستحسن أن نبتعد عنه؟".
وحينما تفكر بعقلانية وتنظر لنفسك، وتعمل على تشريح النفس الإنسانية التي توجد فيك قبل أن توجد في غيرك، تجد قول الله تعالى: " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [سورة الشمس].
فالنفس الإنسانية هي كما وصفها ربنا عز وجل وكما هي موجودة داخلك وداخلي وداخل كل إنسان غيرنا، باختلاف معتقداته، عبارة عن نفس خلقها الله سبحانه وتعالى وأهمها فجورها وتقواها أي بين لها طريق الخير وطريق الشر، وهو من يتخير أي الطريقين يمضي بضعفه وشهواته وقوته وإيمانه، فإذا سلك طريق الخير فقد أفلح وإذا سلك طريق الشر فقد خاب وخسر.
ونحن كبشر قدرنا أن نذنِبَ ونُخطئ، ومشيئةُ اللَّه فينا أن نقصِّرَ ونسيء، كلُّ بني آدمَ خَطَّاء، لَم نكنْ يومًا ملائكةً لا يعْصونَ الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤْمَرون، لذلك ثبت في الصَّحيحَين عن أبِي هُرَيْرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((والَّذي نفسي بيدِه، لَو لم تُذْنِبوا، لذهَبَ اللَّه بكُم، ولجاء بقومٍ يُذْنِبون فيستغفرون الله، فيغْفر لهم)).
كلنا عرضة للخطأ والجهل، ولكن مع ذلك لا نبرر الخطأ بأن نمضي فيه، بل ننصح ونذكر بالخير ونأمر بالمعروف ونحب في الله ونقاطع في الله، لكننا نأمر المذنب بما أمره الله به بالتوبة ونحرص على الستر عليه إلا لمنع شره، فقد جاء ماعز رضي الله عنه معترفاً بالزنا وقال: طهرني يا رسول الله، فأعرض عنه (عليه الصلاة والسلام)، ولكن إذا جاء أحد إلينا وقال بذنبه أو أعلن توبته أمامنا نفرح بأن تثبت التهمة عليه، بل ونسخر منه وننشر فضائحه، ونتناسى أنَّنا مُذْنِبون خطَّاؤون.
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبركيف تتعامل مع نفسك ومع الآخرين؟
1/ المبادرة بالتَّوبة، وإصلاح ما أفسدتْه جوارحُك بدوام الاستِغْفار، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
2/ عدم استصغر الذنب، ولا تُهوِّن من شأن المعصية؛ فلا تدري، فلعلَّ ما احتقرتَه يكون سببًا لشقائك في الآخرة، وقديمًا قال بلال بن سعد: لا تنظُرْ إلى صِغَر الخطيئة، وانظر إلى عظم مَن عصيت، فقد دخلتِ النَّارَ امرأةٌ بسبب هرَّة حبستها، وربَّ كلمة يتكلَّم بها الرَّجُل ما يلقي لها بالاً، تهوي به في قَعْرِ جهنم.
3/ كل شيئ هين إلا المجاهرة بالمعصية، وقد دلَّتْ نصوص الوحيين على أنَّ المعاصي الخفيَّة أخفُّ جرمًا وإثمًا من المعاصي المستعلنة؛ قال الله سبحانه: ﴿ لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ ﴾ [النساء: 148]، ويقول النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((كلّ أمَّتي معافًى إلاَّ المجاهرين، وإنَّ من المجاهَرة أن يَعْمَل الرَّجُل باللَّيل عملاً، ثمَّ يُصْبِح وقد سَتَره الله، فيقول: يا فلانُ عمِلْتُ البارحة كذا وكذا، وقد باتَ يستُره ربُّه ويصبح يكشِف سِتْرَ الله عنه))؛ أخرجه البخاري في صحيحه.
4/ المسارعة بالخير لكي نمحو به الشر، والإكثار من الحسنات، ولا يقعدنَّك الشيطان عن الطاعة، بسبب أنك مُذنب.
5/ الستر، فكما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي (عليه الصلاة
والسلام) قال: "من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة".
6/ الرفق والنصح، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما لعنوا الرجل الذي يُؤتى به إلى مراراً وقدشرب الخمر، فقال (عليه الصلاة والسلام) "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم". رواه البخاري