مع زيادة التوتر الذي يعاني منه ملايين البشر نتيجة الأحداث المتلاحقة، يحتاج القلب في ظل هذه الحالة المرتبكة، إلى ما يزيد من اطمئنانه وهدوئه، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم القلب بأنه مركز السعادة وصلاح حال الجسد كله، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». متفق عليه.
فصلاح العمل والحال والمآل مرتبط بصلاح القلب، وفساده مرتبط بفساده، يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: "القوم إذا صلحت قلوبهم فلم يبقَ فيها إرادة لغير الله عز وجل صلحت جوارحهم فلم تتحرك إلا لله عز وجل، وبما فيه رضاه".
ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح، فليس هناك انفصال بين صلاح القلب وصلاح العمل الظاهر، وقد يستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التَّقْوَى هَاهُنَا» ويشير إلى صدره، ثلاث مرات.
والإنسان في هذه الحياة محتاج إلى طمأنينة القلب وسكينته، وهو يمر في هذه الحياة بمكدرات ومنغصات، وفتن ومحن، ومشاكل وخصومات، وكربات، ولهذا قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها لما قدمت المدينة أتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصَرَخَت بي فأتيتها لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار، وذلك من أجل أن تسكن نفسها وتهدئ من قلبها.
ولا ينعم القلب بالاستقرار إلا بالإخلاص لله عز وجل في البداية، و توحيد الله عز وجل والإيمان بقضائه وقدره، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من أركان الإيمان وأسسه الإيمان بالقضاء والقدر، لما سأله جبريل عن الإيمان أجابه بقوله: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
اقرأ أيضا:
كل الأخطاء مغفورة عند الله.. إلا هذا الذنبأسباب راحة القلب:
والعمل الصالح هو طريق راحة القلب لأنك بالعمل الصالح تجد نفسك مطمئنا بالخير والإحسان، فالله قريب منهم معهم بعلمه وتأييده ونصره وتوفيقه، وهم قريبون من الله ومن كان قريباً من الله والله عز وجل معه، فالقلب منه مطمئن، والضمير مرتاح، والنفس ساكنة، وأما أهل الجهل والعمل السيئ فهم بعيدون من الله وقد حرموا من القرب الخاص والمعية الخاصة من الله سبحانه وتعالى، فهم أهل الإساءة وليسوا أهل الإحسان، فلا جرم أن يصابوا بالقلق والخوف وعدم راحة الضمير وسكون النفس، وطمأنينة القلب، قال الله عز وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طـه:124]، وقال سبحانه وتعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) [الأنعام: من الآية125].
ومن أسباب راحة القلب أيضا أيضاً التي تجلب طمأنينة القلب وراحة الضمير وسكون النفس والرضاء بالقضاء والقدر، ذكر الله عز وجل، في الليل والنهار في الصباح والمساء عند النوم وعند الاستيقاظ، عند الأكل وعند الشرب، عند قضاء الوَطَر عند ركوب الدابة، في الصلوات وسائر العبادات، فإن ذكر الله عز وجل من أعظم الأسباب في طمأنينة القلب، وقد قال سبحانه وتعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].
أما أهل الغفلة والبعد عن ذكر الله هم أكثر الناس تعرضاً للقلاقل والمخاوف، وحرماناً من طمأنينة القلوب وراحة الضمائر وسكون النفوس.
ومن الأسباب أيضاً في طمأنينة القلب وراحته، الزوجة الصالحة التي ترافق الرجل في حياته مرافقة الشريك لشريكه بل أعظم مرافقة وأشد صحبة، فإن الزوجة الصالحة من أعظم الأسباب في طمأنينة قلب الرجل وراحته وهدوء باله، فقد جعل الله عز وجل الزوجة سكناً للزوج فقال سبحانه وتعالى:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) الروم: من الآية21، وقال سبحانه وتعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا )[الأعراف: من الآية189].
ومنها الصحبة الصالحة فإن بها يحصل طمأنينة القلب وراحة الضمير وسكون النفس، لأن هذه الصحبة تذكر الإنسان بربه وبالدار الآخرة، وتذكره بما له من الأجر العظيم عند الله إذا هو صبر على الضراء وشكر على السراء، كما قال عليه الصلاة والسلام: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".
ومنها الكسب الحلال، فإن له تأثيراً عظيماً في طمأنينة القلب وراحة الضمير، فلا يهنأ أصحاب المال الحرام في مأكل ولا مشرب ولا ملبس ولا مركب، ونجد أن أصحاب الأموال القليلة التي اكتسبوها من طريق حلال مشروع، أكثر الناس رضا واحتساب، وأعظم الناس طمأنينة وراحة بال.