الخوض في أعراض الناس ونهش من الكبائروالجرائم التي نهي عنها الإسلام فقد وصف رسول الله من يقدم علي هذا الفعل وبل أن رسولنا صلي الله عليه وسلم قال في حديث أبي هريرة :"إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ: اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَمِنَ الْكَبَائِرِ السَّبَّتَانِ بِالسَّبَّةِ"
ومن ثم فالنهش في أعراض الناس، يتم عندما يتم الحديث عنهم بغير حق، دون دليل، دون تثبّت، دون تأكد، وعبر قصة تُروّجها للتسلية، تتهمهُ في دينهِ وهوَ بريء، تتهمهُ في ذِمتهُ بلا سبب، بِلا دليل، بِلا تأكيد، بِلا بينّة، يُتهمُ في عقلهِ، يُتهمُ في دينهِ، يُتهمُ في أخلاقهِ, هذه من أكبر الكبائر.
ولعل ما يزيد من جرم هذه الفعلة أن هذا الذي اتهمتهُ وهوَ بريء, يفرض عليك أن تذهبَ إليه, وأن تعتذرَ منهُ, وأن تطلبَ منهُ السماح, وأن تعقِدَ جلسةً أخرى كالتي عقدتها من قبل, وأن تذكُرَ ذلكَ للناس حتى تنجوَ من عذاب الله, وإلا يأتي يومَ القيامة, فيأخذ من حسناتك, ويعطيكَ من سيئاتهِ.
وفي هذا السياق َروي عن أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ, قَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي, مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلاةٍ وَزَكَاةٍ, وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا, وَقَذَفَ هَذَا, وَأَكَلَ مَالَ هَذَا, فَيُقْعَدُ, فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ, فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا, أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ, فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ, ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ"
ومن البديهي الإشارة هنا إلي أن اتهام الناس بالباطل، والاحتيال في نسبة الزور إليهم بالافتراء والبهتان جريمة لاإنسانية خبيثة، قرنها الله تعالى -في النهي عنها- بعبادة الأصنام؛ فقال تعالى: "فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ" "الحج: 30"، والزور هو فُحش الكذب، والفجور فيه.
وولا يختلف الأمر فيما يتعلق بابتزاز الناس بالاتهامات المُنتحَلة من خلال الصور المُزيّفة باستخدام البرامج الحديثة أو غيرها من الطرق التي يمكن بها الطعن في أعراض الناس وشرفهم؛ إنما هو إفك بغيض وإيذاء بالغ وبهتان مُحرَّم، حذَّر منه المولى سبحانه، ومن مغبة ارتكابه، والخوض فيه؛ فقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ". "النور: 11"
وقال عزَّ من قائل: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا". " الأحزاب: 58"
ولآثار هذه الجريمة النكراء على الأفراد والمجتمعات، في الواقع الحقيقي والافتراضي، ولتحقيق غايات الإسلام العليا في حفظ النظام العام، ومنظومة القيم والأخلاق؛ توعَّد الله تعالى فاعل هذه الجريمة بالعذاب في الدنيا والآخرة، وحَرَمَه من رحمته سُبحانه؛ فقال: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". "النور: 19"
وقال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ". "النور: 23"
ومن المهم الإشارة الا أنه لا ينبغي أن يكون الإنسان مُتجاوزًا لحدود الله سبحانه، خائضًا في أعراض الناس؛ إذ هو بذلك يهون في عيون الخلق، ويسوء مآله عند الخالق سبحانه.
بل عليه أن ينشغل بمعالي الأمور ممَّا يعود عليه وعلى مجتمعه بالنَّفع في الدين والدنيا والآخرة، لا أن ينشغل بصغائرها، وما لا شأن له به؛ فعن سيدنا الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما مرفوعًا أن سيدنا رسول الله ﷺ قال: "إنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأمُورِ وأَشرَافَهَا، ويَكْرَهُ سَفْسَافَهَا".
مجمع البحوث الإسلامية حدد في منشور له كيفية تجنب الوقوع في اثم الخوض في الأعراض عبر 5نصائح أولها عدم تتبع عورات الأخرين ولا السعي ورائها مصداقا لقوله تعالي "لا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا " الحجرات الأية 12.ثاني هذه النصائح تتمثل عدم تصديق كل ما يقال بدون بينة كما روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم "كفي بالمرء أثما أن يحدث بكل ما سمع فضلا عن الابتعاد عن الحديث في شأن الأخيرين بسوء حيث قال تعالي :"لولا إذا سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا "النور الأية 16
وعلي المسلم كذلك الحذر من التسارع في نشر هذه الأخبار وإشاعة تلك الأحاديث حيث قال تعالي : "يا أيها الذين أمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين "النور 6
أما أخر النصائح لتجنب الوقوع في أثم الخوض في الأعراض فتتمثل في إحسان الظن بالأخرين حيث قال تعالي : "لولا إذ سمعتموه وظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خير وقالوا إفك مبين "النور 12