ينتشر الموت في كل مكان، حتى بتنا نستيقظ صباح كل يوم على خبر انتقال فلان أو فلانة إلى رحمة الله عز وجل، إما نتيجة الإصابة بفيروس كورونا، أو لأي سبب أخر سواء كان في حادث سير أو غيره.
وانتشار الموت من علامات القيامة، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة)، ومع ذلك يغفل الناس بشكل كبير حقيقة الموت، ويتركونه خارج حساباتهم، فيستمرون في الانغماسِ في التَّرفِ والمُلهياتِ، سواءٌ المُباحُ منها أو المُحرَّماتُ، ويقسو القلبُ فلا تُؤثرُ فيهِ المواعظُ والآياتُ، حتى يباغتهم الموت فجأة.
شر الغفلة
الناس كما قال علي بن أبي طالب نيام فإذا ما ماتوا انتبهوا، والغفلة مرض خطير يصيب الكثير من الناس، ومشكلة الغفلة أن الناس لا يشعرون بها، ولا يدركون مخاطرها على حياتهم وبعد مماتهم، والغافل يضيع نفسه ويظلم غيره، ولا يفيق من غفلته إلا على مصيبة كبيرة أو عندما يأتيه الموت.
يقول الله تعالى في سورة الأنبياء: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ} وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ}.فهاتان الآيتان تحتوي على كلمات تهز الغافلين، لتنبههم أن الأيام تمضي والسنون تمر والعمر ينقضي والموت يقترب والحساب واقع وهم مازالوا في غفلتهم، لا يزيدهم حلم الله وستره عليهم إلا تمادياً واستخفافاً، وهم رغم ما عندهم من نعيم وقوة يعيشون ضَنَك الحياة.
وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ تَعَالى يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ". ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}.
ويقول الله عز وجل "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" سورة الأعراف: 179.
ويقول الله عز وجل "وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ" سورة الأعراف: 205.
اظهار أخبار متعلقة
الغفلة عن الحساب
وكثير من الناس يغفلون عن الحساب في الآخرة، ويتناسون أنهم سيلاقون الله، ويتغافلون الموت، وكأنهم سيخلدون في الأرض، وربما كانت سببا في جرأتهم على ظلم الآخرين والانتقاص من حقوقهم، ولذلك نجد التركيز في القرآن الكريم على الإيمان باليوم الآخر، وبأنه يوم الفصل ويوم الجزاء ويوم الحساب، حتى يردع الإنسان عن ظلم الآخرين في الدنيا.
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال "لمَّا رجَعتُ إلى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مُهاجرةُ البحرِ قالَ ألا تحدِّثوني بأعاجيبِ ما رأيتُمْ بأرضِ الحبشَةِ؟ قالَ فِتيةٌ منهم بلَى يا رسولَ اللَّهِ بينا نحنُ جلوسٌ مرَّت بنا عجوزٌ من عجائزِ رَهابينِهِم تحملُ علَى رأسِها قُلَّةً من ماءٍ، فمرَّت بفتًى منهم، فجعلَ إحدى يدَيهِ بينَ كتفيها ثمَّ دفعَها فخرَّت علَى رُكْبتَيها، فانكسَرت قُلَّتُها، فلمَّا ارتفَعتِ التفتَتَ إليهِ فقالَت: سوفَ تعلَمُ يا غُدَرُ إذا وضعَ اللَّهُ الكرسيَّ وجمعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ وتَكَلَّمتِ الأيدي والأرجلُ بما كانوا يَكْسِبونَ فسوفَ تعلَمُ كيفَ أمري وأمرُكَ عندَهُ غدًا. قالَ: يقولُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ "صدَقَتْ صدَقَتْ، كيفَ يقدِّسُ اللَّهُ أمَّةً لا يؤخَذُ لضَعيفِهِم من شديدِهِم" .
الغفلة عن الموت
ومن أخطر أنواع الغفلة هو الغفلة عن الموت وعن مصير الإنسان بعده، وهو ما يدفع الكثيرين إلى الوقوع في أنواع متعددة من الانحرافات، وعدم مراقبة الله في أفعالك، والغفلة عن الموت وعن المصير، فمثل هؤلاء كمثل فرعون كان في غفلة عن وجود الله الحق المستحق للعبادة، وكان في غفلة عن الموت، وعندما جاءه قال كما حكى القرآن الكريم "حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ" سورة يونس: 90.
وقارون كان في غفلة عن الرزاق سبحانه وتعالى، واغتر بعلمه وماله "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ" سورة القصص: 78.
والغفلة عن الموت والحساب هي سمة الطغاة والجبابرة في كل زمان ومكان، وهي التي أوردتهم موارد التهلكة بظلمهم للناس والاعتداء على أعراضهم وممتلكاتهم.
كيف تنجو من الغفلة؟
سمعنا قَولَ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ-: "زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ".
ومَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا، فَقَالَ: "رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ, يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ؛ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ", فمَن عسى أن يكونَ المقصودُ بقولِه -تعالى-: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)[الأنبياء: 1]؟!.
و قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ-: "تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَنَامُونَ فَلا يُكْتَبُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَسْتَيْقِظُوا".
ومن الدعاء:
اللهمَّ أيقظنا من رَقدتِنا، وأَفقْنَا من غَفلتِنا، واعمُرْ قُلوبَنا بحُبِّك، وأشغل ألستَنا بذكرِك، واستعمل جَوارحَنا بطاعتِك.
يا ذا الجلالِ والإكرامِ، اللهمَّ اغفر لآبائنا وأمهاتِنا، اللهمَّ أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ.
اللهم اجعلنا فَاعلينَ للخيرِ، دَاعينَ إليه، آمرينَ به، مُنتهينَ عن الشَّرِّ، مُحذرينَ منه، مَانعينَ له.
ربنا آتنا في الدنيا حَسنةً، وفي الآخرةِ حَسنةً، وقِنا عَذابَ النارِ.