من المؤسف أن يكافئ أحدنا عبادته طوال شهر رمضان، بالمعصية في شهر شوال، فقد يعد أحدنا أن شهر شوال هو شهر التحلل من العبادة وليس العكوف عليها كما يتضح من حكمة الصيام والقيام، لذلك سن النبي صلى الله عليه وسلم سنة صيام الست من شوال حتى تكون إعلان التزام بمبادئ شهر رمضان، وليس الانقلاب عليه.
الأمر الذي جعل فضل صيام الست أيام البيض من شهر شوال عظيما، وذلك بعد أن يفصل بينها وبين رمضان بإفطار يوم العيد، وإذا كانت متتابعة أو متفرقة، جاز ذلك، وتحصَّلت الفضيلة المرجوة.
فقد شرع الله عز وجل العبادات والطاعات لأجل تزكيةِ النفس وطهارتها، كلما ازداد المؤمن في الطاعات كان أكثر صلاحًا وتقربًا إلى الله عز وجل، وكلما ازداد في المعاصي كان أغلط قلبًا.
فصيام ستة أيام من شوال بعد رمضان، فهو سنة مستحبَّة غير واجبة، فضلها عظيم وأجرها جسيم، فهي تُطهر القلوب مِن أدرانها، وتزكي النفس من أضرارها، وتشفيها من أمراضها، كما أن صيام الست من شوال بعد رمضان فرصة غالية يستغلها المؤمن، وهناك يقف الصائم على أعتاب طاعة أخرى بعد أن فرغ من صيام رمضان، وقد حرَّض النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته على صيام الست، وحثَّهم بأسلوب يرغِّبهم، ويشوِّقهم إلى الاهتمام بهذا الصيام؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر» .
وصيام الست من شوال هو دليل على شكر الصائم لربه عز وجل على توفيقه بطاعة ربه في رمضان، وزيادة في الخير؛ ودليل على حب العبد لطاعات الرب، ورغبته في المواصلة في طريق الأعمال الصالحات.
اظهار أخبار متعلقة
صيام الست من شوال
صيام الست تجبر نقصان صيام رمضان، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة، وأكثر الناس في صيامهم للفرض نقصٌ وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال؛ لذا فإن صيام الست من شوال يجبر ما يطرأ من خلل ونقص في صيام رمضان؛ كما ورد في الحديث النبوي الشريف: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلَح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسِر، فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيُكمَّل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك" .
لذلك معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله تعالى إذا تقبَّل عمل عبد، وفَّقه لعمل صالح بعده؛ كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمِل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة، كان ذلك علامة ردِّ الحسنة وعدم قبولها.
فالأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان، بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيًّا.
وكان عمل النبي يعتمد على الدوام والاستمرار ؛ فقد سئلت عائشة رضي الله عنها: كيفَ كانَ عَمَلُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، هلْ كانَ يَخُصُّ شيئًا مِنَ الأيَّامِ؟ قالَتْ: لَا، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً.