بقلم |
محمد جمال |
الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - 01:05 م
يقع بعض المسلمين فى خلل فى فهم العلاقة بين فعل الطاعات وترك المحرمات حيث يعتقدون أن ترك المحرمات أولى من فعل الطاعات مستدلين بحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما نهيتكم عنه، فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم. رواه البخاري ومسلم.
لكن هذا بالنظر إلى ما قاله العلماء في هذه المسألة نجد أنهم ذكروا أن ما ورد من تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به على نوافل الطاعات. واضافوا كما ذكرت الأمانة العلمية لإسلام ويب أن جنس الأعمال الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات؛ لأن الأعمال مقصودة لذاتها، والمحارم المطلوب عدمها ، ولذلك لا تحتاج إلى نية بخلاف الأعمال ، ولذلك كان جنس ترك الأعمال قد تكون كفرا كترك التوحيد، وكترك أركان الإسلام أو بعضها على ما سبق، بخلاف ارتكاب المنهيات فإنه لا يقتضي الكفر بنفسه.
فالحديث الذي ذكر يبين فقط العلاقة بين فعل الطاعات وترك المحرمات فالرسول صلى الله عليه وسلم يأمر بترك المحرمات مباشرة لكنه صلى الله عليه وسلم فيما يخص النوافل لم يكلف الإنسان ما لا يطيق فأمر بأن يأتي المسلم ما يستطيع من النوافل فاتوا منها ما استطعتم.
وحاصل كلام العلماء فى هذا يدل على اجتناب المحرمات - وإن قلت - أفضل من الإكثار من نوافل الطاعات فإن ذلك فرض ، وهذا نفل . وقالت طائفة من المتأخرين : إنما قال صلى الله عليه وسلم : إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر ، فأتوا منه ما استطعتم ، لأن امتثال الأمر لا يحصل إلا بعمل ، والعمل يتوقف وجوده على شروط وأسباب ، وبعضها قد لا يستطاع ، فلذلك قيده بالاستطاعة ، كما قيد الله الأمر بالتقوى بالاستطاعة ، قال تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم ( التغابن : 16 ) وقال في الحج : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ( آل عمران : 97 ) . وأما النهي : فالمطلوب عدمه ، وذلك هو الأصل ، فالمقصود استمرار العدم الأصلي ، وذلك ممكن ، وليس فيه ما لا يستطاع ، وهذا فيه أيضا نظر ، فإن الداعي إلى فعل المعاصي قد يكون قويا ، لا صبر معه للعبد على الامتناع مع فعل المعصية مع القدرة عليها ، فيحتاج الكف عنها حينئذ إلى مجاهدة شديدة ، [ ص: 255 ] ربما كانت أشق على النفوس من مجرد مجاهدة النفس على فعل الطاعة ، ولهذا يوجد كثيرا من يجتهد فيفعل الطاعات ، ولا يقوى على ترك المحرمات.
وذكرت أنه قد سئل عمر عن قوم يشتهون المعصية ولا يعملون بها ، فقال : أولئك قوم امتحن الله قلوبهم للتقوى ، لهم مغفرة وأجر عظيم . وقال يزيد بن ميسرة : يقول الله في بعض الكتب : أيها الشاب التارك شهوته ، المتبذل في شبابه لأجلي ، أنت عندي كبعض ملائكتي . وقال : ما أشد الشهوة في الجسد ، إنها مثل حريق النار ، وكيف ينجو منها الحصوريون ؟ . والتحقيق في هذا أن الله لا يكلف العباد من الأعمال ما لا طاقة لهم به ، وقد أسقط عنهم كثيرا من الأعمال بمجرد المشقة رخصة عليهم ، ورحمة لهم ، وأما المناهي ، فلم يعذر أحد بارتكابها بقوة الداعي والشهوات ، بل كلفهم تركها على كل حال.