حفظ الإسلام بكل وسيلة على استقرار المجتمعات والتي لا يكون إلا باستقرار السرو والأفراد، ولما كانت الأسرة تتكون من زوجين هما عمادها (زوج، وزوجة).. فقك كفل الإسلام لكل منهما حقوق وأوجب عليه واجبات.
هذه الحقوق التي كفلها الإسلام للزوجين تحفظ للطرف الآخر حقه وتحمله مسئولية تجاه الأسرة ومن ثم المجتمع، ونادى الإسلام بالمحافظة على هذه الحقوق التي لا تعني بحال القسوة والتشديد بل إنها تدعو للألفة والرحمة بين الطرفين وتعمل على إشاعة الود لتبقى السرة في الإسلام هي السكن والرحمة.
من جانبه، ذكر د. محمد عبد اللطيف الأستاذ بجامعة الأزهر أهمية مراعاة واجبات كل من أطراف الأسرة على الآخر فلا ينبغي النظر فقط إلى الحقوق، مشيرًا إلى أن هذه الحقوق يُراد بها التذكير والتوضيح ومراعاة المصلحة ولا تأخذ المرأة هذه الحقوق تكأة للتعسير على الزوج، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه، فعلى الزوجة أن تكون متأنية رقيقة، لطيفة شفيقة، سهلة أنيقة، رحيمة ودودة.
حقوق الزوجة في الإسلام:
ويضيف في كتابه "كيف تكونين زوجة صالحة؟" أن للزوجة في الإسلام حقوق كثيرة منها:
أ- الحقوق المادية:
1- المهر: وذلك، لقوله تعالى: "وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً".
2- النفقة: من طعام وشراب وكسوة، والعبرة في هذا بحال الزوج، ولا يليق بالمسلمة أن تشدد على زوجها في الطعام واللباس، بل عليها أن ترضى بالقليل، ولتعلم أن غناها في القناعة، وفي اللحظة نفسها يوصى الزوج بأن يوسع على أسرته ما دام غنيًا، وينبغي أن يطعمها مما يطعم، ويكسوها مما يلبس، وإذا أكل طعامًا شهيًا فليحمل إليها منه ولو قليلًا، وفي هذا من المعاني السامية ما فيه.
ففي الحديث الصحيح أن رسول الله سُئل ما حق زوجة أحدنا عليه يا رسول الله؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت".
ب- الحقوق المعنوية:
حسن الخُلُق: وليس حسن الخلق معها كف الأذى، بل احتمال الأذى منها، والحلم عن طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله؛ فقد روى أنس قال: كان النبي عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي في بيتها النبي هي عائشة يد الخادم فسقطت الصحفة فانقلبت، فجمع النبي فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: "غارت أمكم"، ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كُسِرت فيه.
وينصح: ليكن شعورك أيها الزوج نحو زوجك كشعور عمر بن الخطاب مع زوجته عندما ذهب الرجل إليه يشكو زوجته وإليك مضمون القصة: كان أعرابي يُعاتب زوجته، فعلا صوتها صوته، فساءه ذلك منها، وأنكره عليها، ثم قال: والله لأشكونكِ إلى أمير المؤمنين، وما أن كان بباب أمير المؤمنين ينتظر خروجه، حتى سمع امرأته تستطيل عليه، وتقول اتق الله يا عمر فيما ولاك، وهو ساكت لا يتكلم، فقال الرجل في نفسه وهو يهم بالانصراف، إذا كان هذا هو حال أمير المؤمنين، فكيف بحالي؟ وفيما هو كذلك خرج عمر ولما رآه قال: ما حاجتك يا أخا العرب؟ فقال الأعرابي: يا أمير المؤمنين، جئت أشكو إليك خُلُق زوجتي، واستطالتها على فرأيت عندك ما زهدني إذ كان ما عندك أكثر مما عندي، فهممت بالرجوع، وأنا أقول: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته، فكيف بحالي ؟ فتبسم عمر وقال: يا أخا الإسلام، إني احتملتها لحقوق لها عليّ، إنها طباخة لطعامي، خبازة لخبزي، مرضعة لأولادي، غاسلة لثيابي وبقدر صبري عليها يكون ثوابي.
وقد يكون صبر الرجل على سوء خُلُق زوجته أو استطالتها عليه أحيانًا سببًا في إكرام الله – جل وعز– له، وتيسير الصعاب من أجل ذلك.
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يعلمها تعاليم دينها:
أن يعلمها تعاليم الإسلام، وأن يحافظ على دينها، ويرعي سلوكها ويهتم بتوجيهها إلى الخير والفلاح، فلا يدعها تستمرئ الاعوجاج أو تنحرف إلى المهالك.
وكما يهتم بسلامة جسمها ورفاهته، فعليه أن يهتم بسلامة دينها وخلقها وصحة اتجاهها، ويكون رائدًا بصيرًا وناصحًا واعيًا.
وليس من الأمانة ألا يعبأ الرجل بفراغ زوجته من الدين وجهلها وانحرافها عنه، ولا يعنيه إلا استيفاء حقوقه الحسية وتوفير الراحة والمتاع لنفسه إن ذلك لا يستقيم في نظر المسلم، فإنه قد أمر أن يحتجز أسرته من العذاب، وأن يقيها شقاء الدنيا والآخرة، بأن يلفتها إلى دينها ويلحظ قيامها بفرائضه، وانتهاءها عن مناهيه.
قال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عليهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ".
ولن يقي أهله من النار إلا بإحسان التوجيه، ووعي الرقابة. والإسلام يفترض أساسًا أن بين المؤمنين
والمؤمنات ولاية الإيمان ونصحه، وأن بعضهم يوصي بعضًا بالمعروف وينهاه عن المنكر، فما بالك بزوجين مؤمنين؟! إن ذلك يؤكد الولاية والعهد، ويقوي عزائم الخير والرشد. قال تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
فرض على الزوج أن يعلّم زوجته فروض الأعيان مما تصح به العبادة والمعاملة، فإن عجز عن تعليمها فيجب عليه أن يحضر لها امرأة تعلمها أمور دينها. فإن عجز فعليه أن يرسلها إلى العلماء ليعلموها تعاليم الإسلام.
من حقوق الزوجة صيانة الزوج في غيابه:
صيانتها فيجب على الزوج أن يصون زوجته، ويحفظها من كل ما يخدش شرفها، ويثلمُ عرضها، ويمتهن كرامتها، ويعرض سمعتها لمقالة السوء، وهذا من الغَيرة التي يحبها الله.
روي البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إن الله يَغَار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حُرم عليه"، وروي عن ابن مسعود أن رسول الله قال: "ما أحد أغير من الله، ومِن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وما أحد أحب إليه المدح من الله، ومن أجل ذلك أثنى على نفسه، وما أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين".
ورد أن سعد بن عبادة قال: لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصفح. فقال رسول الله "أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله، حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن"
والزوج الذي لا يغار على أهله، ويُقر الخبث والحرام في أهله كأن يراها تُقبل أو تُعانق أو ترقص أو تزني مع رجل أجنبي هو ديوث لا يدخل الجنة.
قال رسول الله: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء".
وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: الديوث، والرجلة من النساء، ومُدمن الخمر"، قالوا: يا رسول الله، أما مُدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟، قال: "الذي لا يبالى من دخل على أهله"، قلنا: فما الرجلة من النساء ؟ قال: "التي تتشبه بالرجال".
نار الغيرة تحرق البيت: وكما يجب على الرجل أن يغار على زوجته، فإنه يُطلب منه أن يعتدل في الغَيرة، فلا يبالغ فيها حتى يُسيء الظن بزوجته، ولا يُسرف في تقصي كل حركاتها وسكناتها ولا يُحصي جميع عيوبها، فإن ذلك يُفسد العلاقة الزوجية، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل، يقول رسول الله: "إن من الغَيرة ما يحبه الله، ومنها ما يُبغضه الله، ومن الخيلاء ما يُحبه الله، ومنها ما يُبغضه الله، فأما الغَيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، والغيرة التي يبغضها لله، فالغيرة في غير ريبة، والاختيال الذي يحبه الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال، وعند الصدمة، والاختيال الذي يبغضه الله، الاختيال في الباطل". وقال علي: لا تُكثر الغَيرة على أهلك فتُرامي بالسوء من أجلك.
ومن حقوق الزوجة على زوجها: أن يُحصن فرجها، وأن يعفها، وأن يجامعها بحيث يحجبها عن التطلع لغيره لا سيما في عصر استطاع فيه الأعداء أن يشعلوا نار الشهوة وأن يجعلوا الهم الأول لبعض المسلمين الجنس وحده. فعلى الأقل أن تجد المرأة في بيتها العفة والطهارة.
ومن حق الزوجة على زوجها: ألا يأمرها بمعصية الله تعالى؛ فالطاعة تكون فيما يرضي الله عز وجل قال: "إنما الطاعة في المعروف"، وقال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
فلا يحل له أن يأمرها بالتبرج أو كشف شيء من جسدها أمام الأجانب، كما لا يجوز له أن يأمرها أن تجلس مع أصحابه وتصافحهم وتمازحهم.