التقوى والصبر ثنائية عجيبة وعظيمة ورائعة من الأخلاق والقيم الروحية التي يجب أن يتحلى بها المسلم وهو يواجه الحياة بكل ما فيها من ابتلاءات ومحن وفتن وشهوات .
وقد ردت كلمة الصبر مقترنة بالتقوى في القرآن في مواضع، كلها في موضع محنة وابتلاء شديد للمؤمنين.
و لما التزم المؤمنون توجيهات ربهم - سبحانه وتعالى- أثمرت هاتان الصفتان ثمارًا يانعة منها: كما جاء في "مداد".
أولاً: بالصبر و التقوى تتحقق السلامة من شر الأشرار و كيد الفجار:
{إِن تَمسَسكُم حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكُم سَيِّئَةٌ يَفرَحُوا بِهَا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ }.
قال ابن كثير - رحمه الله -: " يرشدهم - تعالى -إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم فلا حول ولا قوة لهم إلا به وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ومن توكل عليه كفاه ".
" فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء ; وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع. الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل ; ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع أو كسباً لودهم المدخول.
ثم هو التقوى: الخوف من الله وحده. ومراقبته وحده.. هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه، ولا تعتصم بحبل إلا حبله.. وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته ; وستشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم من قريب، ولا يواد من حاد الله ورسوله، طلباً للنجاة أو كسباً للعزة! هذا هو الطريق: الصبر والتقوى ".
ثانياً: الصبر و التقوى شرط المدد الإلهي:
{بَلَى إِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأتُوكُم مِّن فَورِهِم هَـذَا يُمدِدكُم رَبٌّكُم بِخَمسَةِ آلافٍ, مِّنَ المَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ}.
فكل من قام بحق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر فلا بد أن يؤذى، فما له دواء إلا الصبر في الله والاستعانة بالله والرجوع إلى الله - عز وجل.
قال الحسن البصري - رحمه الله -: " فهؤلاء الخمسة آلاف ردء للمؤمنين إلى يوم القيامة ".
فالصبر و التقوى شرط المدد الإلهي.
ثالثاً: بالصبر و التقوى تنال ثواب أهل العزم:
{لَتُبلَوُنَّ فِي أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ} .
وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أهل العزم.
قال الغزالي - رحمه الله -: " التقوى كنز عزيز فإن ظفرت به فكم نجد فيه من جوهر شريف وعلق نفيس وخير كثير ورزق كريم وفوز كبير وملك عظيم فخيرات الدنيا جمعت تحت هذه الخصلة الواحدة التي هي التقوى وكل خير وسعادة في الدارين تحت هذه اللفظة فلا تنس نصيبك منها ".
" بالصبر والتقوى يدفع شر العدو المظهر للعداوة المؤذين بألسنتهم والمؤذين بأيديهم وشر العدو المبطن للعداوة وهم المنافقون وهذا الذي كان خلق النبي وهديه هو أكمل الأمور " .
" إنها سنة العقائد و الدعوات. لا بد من بلاء، ولا بد من أذى في الأموال والأنفس، ولا بد من صبر ومقاومة واعتزام.
إنه الطريق إلى الجنة. وقد حفت الجنة بالمكاره. بينما حفت النار بالشهوات.
ثم إنه هو الطريق الذي لا طريق غيره، لإنشاء الجماعة التي تحمل هذه الدعوة، وتنهض بتكاليفها. طريق التربية لهذه الجماعة ; وإخراج مكنوناتها من الخير والقوة والاحتمال. وهو طريق المزاولة العملية للتكاليف ; والمعرفة الواقعية لحقيقة الناس وحقيقة الحياة.
ذلك ليثبت على هذه الدعوة أصلب أصحابها عوداً. فهؤلاء هم الذين يصلحون لحملها إذن والصبر عليها. فهم عليها مؤتمنون.
وذلك لكي تعز هذه الدعوة عليهم وتغلو، بقدر ما يصيبهم في سبيلها من عنت وبلاء، وبقدر ما يضحون في سبيلها من عزيز وغال. فلا يفرطوا فيها بعد ذلك، مهما تكن الأحوال " .
" إنها سنة الدعوات. وما يصبر على ما فيها من مشقة ; ويحافظ في ثنايا الصراع المرير على تقوى الله، فلا يشط فيعتدي وهو يرد الاعتداء ; ولا ييأس من رحمة الله ويقطع أمله في نصره وهو يعاني الشدائد.. ما يصبر على ذلك كله إلا أولو العزم الأقوياء.
ومن ثم تستبشر بالابتلاء والأذى والفتنة والادعاء الباطل عليها وإسماعها ما يكره وما يؤذي.. تستبشر بهذا كله، لأنها تستيقن منه أنها ماضية في الطريق التي وصفها الله لها من قبل. وتستيقن أن الصبر والتقوى هما زاد الطريق. ويبطل عندها الكيد والبلبلة ويصغر عندها الابتلاء والأذى ; وتمضي في طريقها الموعود، إلى الأمل المنشود.. في صبر وفي تقوى.. وفي عزم أكيد " .
رابعاً: بالصبر و التقوى يتحقق الفلاح:
{يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ.
خامساً: بالصبر و التقوى يتحقق العز و التمكين:
{إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصبِر فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ}.
فانظر إلى يوسف - عليه السلام - كما تعرض من البلاء، و هو سلالة الأنبياء، فهو الكريم ابن الكريم يعقوب ابن الكريم إبراهيم - عليهم السلام -، فكانت مكافآة الله له أن مكَّن الله له في الأرض.
سادساً: بالصبر و التقوى تتحقق وراثة الأرض:
{قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللّهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ}.
إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد، وهو الملاذ الحصين الأمين، وإلا ولي واحد وهو الولي القوي المتين. وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه. وألا يعجلوا، فهم لا يطلعون الغيب، ولا يعلمون الخير..
وإن الأرض لله. وما الأشرار و الفجار و المجرمين و الظالمين - إلا نزلاء فيها. والله يورثها من يشاء من عباده - وفق سنته وحكمته - فلا ينظر الداعون إلى رب العالمين، إلى شيء من ظواهر الأمور التي تخيل للناظرين أن الطاغوت مكين في الأرض غير مزحزح عنها.. فصاحب الأرض ومالكها هو الذي يقرر متى يطردهم منها!
وإن العاقبة للمتقين.. طال الزمن أم قصر.. فلا يخالج قلوب الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير. ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد، فيحسبونهم باقين " .
اقرأ أيضا:
الامتحان الأصعب.. 3 أسئلة تحصل علمها في الدنيا لتجيب عنها في القبراقرأ أيضا:
فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة..لا تتنافس على الشر واكتشف سترك الحقيقي