المعاصي والذنوب لها آثار شديدة الخطورة علي العبد المسلم بل أنها سبب المصائب والفتن، فما حلت ديارا إلا أهلكتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، فمن آثار وأخطار المعاصي والذنوب:
من أهم مصائب الذنوب والمعاصي أنها تورث الذل والصغار، فأبى الله إلا أن يذل من عصاه، فذل المعصية في وجه كل عاص وإن كان من العظماء، ومن كان يريد العزة فلله العزة جميعاً.
بل ان من الأدمان علي ارتكاب الذنوب المعاصي أنها تقف وراء زوال النعم بمختلف أنواعها وسبب لحلول النقم والمحن، فإذا كنت في نعمة فارعها بأن تستعملها في طاعة الله لا في معصية الله، مصداقا لقوله تعالي "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون»، فكم أزالت الذنوب والمعاصي حين تنتشر في الأمة من الأموال والأرزاق والأمن والعافية.
ومن مثالب ارتكاب العبد المسلم للذنوب أنها تقف وراء جميع المصائب والبلايا: قال تعالى: «ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة".
بل أن من التداعيات السلبية لكثرة ارتكاب الذنوب والمعاصي كونها علامة لسوء الخاتمة، فمن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه، فالعبد العاصي قد تخونه جوارحه وقلبه ولسانه عند احتضاره وقرب وفاته، في وقت أحوج ما يكون لنطق الشهادتين، ولكن هيهات أن ينطق بها من لم يعمل بها في حياته بل عمل بما يناقضها من معصية الله تعالى. يقول الله تعالى: «فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون».
لا تقف ويلات ارتكاب المعاصي والذنوب عند هذا الحد بل أنها تعمي القلب وتميته، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا أذنب ذنباً نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه، "
وفي هذا السياق قال حذيفة رضي الله عنه: «القلب هكذا مثل الكف فيذنب الذنب فينقبض منه ثم يذنب الذنب فينقبض منه حتى يختم عليه فيسمع الخير، فلا يجد له مساغاً». وقال الحسن: «الذنب على الذنب، ثم الذنب على الذنب حتى يغمر القلب فيموت». فإذا مات قلب الإنسان لم ينتفع به صاحبه.
بل أن المداومة علي ارتكاب المعصية تزيد الديون علي العبد المؤن إذ ارتكبها إذ تعد دينا في ذمة فاعله لا بد من أدائه كما قال الفضيل بن عياض: «ما عملت ذنباً إلا وجدته في خلق زوجتي ودابتي» ونظر أحد العباد إلى صبي فتأمل محاسنه، فأتي في منامه وقيل له: لتجدن إثمها بعد أربعين سنة. وقال ابن سيرين حين ركبه الدين واغتم لذلك: «إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة».
تداعيات المعاصي تمتد الي حقوق الله سبحانة وتعالي أذ أنها تضعف تعظيم الله في القلوب كما جاء وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه قال: "إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، وإن كنا لنعدها على عهد رسول الله من الموبقات"
بل أن بلايا كثرة الذنوب أنها تؤدي إلي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير كله، وفي الصحيح: ((الحياء خير كله)). فالعاصي يكون مسرورا بما هو بلاء وعقوبة فيفرح بالمال الحرام، ويبتهج بالتمكن من الذنب، ويسر بالاستكثار من المعصية ومن كان هذا حاله، فأين هو أدبه وحياؤه من الله.
بل ان أدمان الذنوب والمعاصي التجرؤ علي فعلها تقف وراء زيادة والهم والضيق والغم والحزن، وشدة القلق واضطراب النفس وتمزق الشمل وزوال أمنه وتبدله به مخافة، فأخوف الناس أشدهم إساءة، قال تعالى: «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى"
وتصل آثار الذنوب والمعاصي أيضا إلي كونها سببا لنزول العذاب والأمراض، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول: «إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمّهم الله بعذاب من عنده، فقلت: يا رسول الله أما فيهم يومئذ أناس صالحون؟ قال: بلى، قلت: فكيف يصنع بأولئك؟ قال: يصيبهم ما أصاب الناس ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان»
بل من أخطر تداعيات الاجتراء علي ارتكاب المعاصي أنها تحرم من العلم وتطفئ نوره في القلب حيث جلس الشافعي إلى الإمام مالك يوما، فأعجب به مالك و قال له: إن الله قد قذف في قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية، لكن الشافعي خالف وصية مالك يوما، فنظر إلى كعب امرأة في طريق ذهابه إلى شيخه وكيع بن الجراح فنسي و تعثر حفظه ( كان الشافعي يحفظ طبعا، بل كان يضع يده على الصفحة المقابلة حتى لا يختلط حفظه) فأكد وكيع نصيحة مالك بترك الذنوب دواء ناجعا للحفظ.شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي.و اخبرني بان العلم نـــور و نـور الله لا يهدى لعاصي.
اقرأ أيضا:
الإيثار.. إحساس بالآخرين وعطاء بلا حدودوهذا المعنى هو الذي أبكى أبا الدرداء لما فتح المسلمون قبرص قيل له: ما يبكيك في يوم اعز الله فيه الإسلام و أذل الشرك و أهله؟! فقال: ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا تركوا أمره، بينما هم أمة قاهرة قادرة إذا تركوا أمر الله عز وجل.