تسرد كتب المجالس والأدب الكثير من النوادر، التي تعكس حالة مجتمعية وسمة حضارية في عصور متباينة، ومن ذلك ما رواه الأديب الجاحظ:
يقول الجاحظ: شهدت الأصمعي يوما، وأقبل على جلسائه يسألهم عن عيشهم، وعما يأكلون ويشربون.
فأقبل على الذي عن يمينه، فقال: «أبا فلان ما طعامك » ؟ قال: «اللحم».
قال: «أكل يوم لحم» ؟ قال: «نعم» ، قال: «وفيه الصفراء البيضاء والحمراء والكدراء والحامضة والحلوة والمرة» ؟ قال: «نعم» .
قال الأصمعي: «بئس العيش.. هذا ليس عيش آل عمر الخطاب.. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يضرب على هذا، وكان يقول: مدمن اللحم كمدمن الخمر» .
يقول : ثم سأل الذي يليه، قال: «أبا فلان ما طعامك»؟
قال: «أطعمة كثيرة وأنواع طيبة» ، قال: «أفي طعامك سمن» ؟ قال: «نعم» ، قال: «فتجمع السمن والسمين على مائدة» ؟ قال: «نعم» قال:«ليس هذا عيش آل الخطاب. كان ابن الخطاب رحمة الله عليه ورضوانه يضرب على هذا. وكان إذا وجد القدور المختلفة الأطعمة وضعها في قدر واحدة، وقال إن العرب لو أكلت هذا لقتل بعضها بعضا» .
اقرأ أيضا:
أبو بكر "قلب الأمة الأكبر" بعد النبي و" أمير الشاكرين"ثم يقبل على الآخر، فيقول: «أبا فلان ما طعامك» ؟
قال: «اللحم للسمين، والضأن الرضع»، قال: «ليس هذا عيش آل الخطاب. كان بن الخطاب يضرب على هذا.
أو ما سمعته يقول: أتروني لا أعرف الطعام الطيب؟ لباب. البر بصغار المعزى. ألا تراه كيف ينتفي من أكله، وتنتحل معرفته» ؟
ثم يقبل على الذي يليه، فيقول: «أبا فلان ما طعامك» ؟ فيقول: «أكثر ما نأكل لحوم الجزور- الإبل- ، ونتخذ منها هذه المقلي، ونجعل بعضها شواء» ، قال: «أفتأكل من أكبادها وأسنمتها؟
قال: «نعم» . قال: «ليس هذا عيش آل الخطاب. كان ابن الخطاب يضرب على هذا، أو ما سمعته يقول: «أتروني لا أقدر أن اتخذ أكبادا وأفلاذا؟ ألا تراه كيف ينكر أكله، ويستحسن معرفته» ؟
ثم يقول للذي يليه: «أبا فلان ما طعامك» ؟ فيقول: المخبوز والحلويات . قال: «طعام العجم، وعيش كسرى، ولباب البر، بلعاب النحل، بخالص السمن» ، حتى أتى على آخرهم؛ كل ذلك يقول: «بئس العيش هذا. ليس هذا عيش آل الخطاب. كان ابن الخطاب. يضرب على هذا» .
فلما انقضى كلامه أقبل عليه بعضهم، فقال: «يا أبا سعيد ما طعامك» ؟
قال: «يوما لبن، ويوما زيت، ويوما سمن، ويوما تمر، ويوما جبن ويوما قفار، ويوما لحم.. عيش آل خطاب» .
اقرأ أيضا:
وقفة مع النفس.. كل العالم بداخلك وأنت غافل عنه