عزيزي المسلم، أو تدري أن حب الدنيا في حد ذاته ليس بعيب، ولكن العيب هو أن تعطيها أكبر من حجمها، فلم يخلق الله الناس ليموتوا دون إعمار في الأرض، وإنما خلقهم ليعمروها بالأولاد والأموال والزرع، إذن الإعمار في الخير ضروري لاستمرار الحياة، بينما الممنوع تمامًا والعيب كل العيب أن ننشغل بها فيما لا يفيد أو ينفع، وفيما يهدم ولا يبني، وفيما يبعدنا عن طريق الله عز وجل..
«كنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا».. هكذا تحدث سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه عن سيدنا النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فما خلقنا في الدنيا لنموت، وإنما خلقنا لنطلب الحياة ونعمرها، فلا تستجب عزيزي المسلم لدعوات تطليق الدنيا وطلب الموت وتحفيز الهمم نحو الآخرة دون الإثمار في الدنيا وتجميلها.
إعمار الدارين
نعم عزيزي المسلم، أنت مطالب بإعمار الدارين، الدنيا والآخرة، وليس الآخرة فقط، فالمسلم يعبد الله تعالى في كل أوقاته وأحواله، فحياته كلها لله رب العالمين، كما قال تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الأنعام:162)، وبالتالي فإن طلب العلم أو الزراعة أو السير بالخير في الدنيا إنما هو أيضًا من العبادات، طالما كانت في سبيل نفع الناس، وفي الحياة ما هو لك عزيزي المسلم وما هو لله، والمسلم الموفق هو الذي يؤدي إلى كل ذي حق حقه، كما جاءت السنة النبوية، يقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم: «إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه».
اقرأ أيضا:
الكسل داء يبدد الأعمار والطاقات.. انظر كيف عالجه الإسلامنصيبك من الدنيا
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم موجهًا حديثه لخير البشر صلى الله عليه وسلم: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (القصص: 77).
إذن لك نصيب من الدنيا يجب أن تكد لتحققه، لكن بشرط أن يكون كله في معية الله وفي سبيله، ولا يضر أحدًا مهما كان، لذلك كان رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلا: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي»، بل أنه عليه الصلاة والسلام رفع من قدر نفع الخلق، فقال: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد- يعني مسجد المدينة- شهرا. ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام».