يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (الأنفال 70)، أنزلها الله عز وجل في أسرى بدر، وكانوا قد افتدوا أنفسهم بمال كثير.
ويروى أن سيدنا العباس بن عبد المطلب، الملقب بأبي الفضل، وساقي الحرمين، دفع وحده أربعين أوقية من ذهب قبل أن يُسلم.. ويُقال إنه حين سمع الآية قال: (فيّ نزلت).
إذن عزيزي المسلم، وأنت تكابد هذه الأيام، تذكر هذه الآية جيدًا، واعلم أن الله عز وجل سيعوضك يقينًا، إن لم يكن في الدنيا، فالآخرة أعظم تفضيلا، قال تعالى يؤكد ذلك: «انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا» (الإسراء 21).
سبب النزول
أما سبب النزول، فيروى أنها نزلت في العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وكان قد أسر يوم بدر ، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام أهل بدر ، وكان يوم بدر نوبته ، وكان خرج بعشرين أوقية من الذهب ليطعم بها الناس ، فأراد أن يطعم ذلك اليوم فاقتتلوا وبقيت العشرون أوقية معه ، فأُخذت منه في الحرب ، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتسب العشرين أوقية من فدائه فأبى وقال : «أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا أتركه لك»، وكلف فداء ابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ، فقال العباس : يا محمد تركتني أتكفف قريشًا ما بقيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك من مكة وقلت لها : إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا ، فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله ولعبيد الله وللفضل وقثم»، يعني بنيه ، فقال له العباس: وما يدريك؟ قال: أخبرني به ربي عز وجل، قال العباس : أشهد أنك صادق! وأن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ، ولم يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل، فذلك قوله تعالى: ««يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ» الذين أخذت منهم الفداء، ( إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا ) أي إيمانًا ، ( يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ ) من الفداء ، ( وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ)، قال العباس رضي الله عنه فأبدلني الله عنها عشرين عبدًا كلهم تاجر يضرب بمال كثير وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان عشرين أوقية ، وأعطاني زمزم وما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة ، وأنا أنتظر المغفرة من ربي عز وجل.
اقرأ أيضا:
أخي العاصي لا تمل وتيأس مهما بلغت ذنوبك وادخل إلى الله من هذا الباب.. التوبةعوض الله
إذن من ترك شيئًا لله أبدله الله عز وجل خيرًا منه لاشك، فمن عظيم عوض الله على العبد الذي أصيب بمصيبة ما، زيادة الإيمان وثبات القدم على صراط هدايته، كما قال تعالى: « الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » (البقرة: 156، 157)، ومنها ما يُفرغ الله به على قلب عبده من زاد الصبر الذي لا يَنفد خيره ولا يحصر أجره، وفي ذلك يقول خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: «ما أنعم الله على عبد نعمة، فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزع منه»، ثم قرأ: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر: 10).