أنزل الله تعالى في شأن ليلة القدر شرفا عظيما وقرآنا كريما في سورة تتلى إلى يوم القيامة ، وذكر فيها شرف هذه الليلة وعظَّم قدرها ، وهي قوله تعالى :
(إنا أنزلناه في ليلة القدر . وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر . تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر . سلام هي حتى مطلع الفجر) سورة القدر .
وفي كل عام يدور جدال لا ينتهي حول اليوم المحدد لليلة القدر، هل هي ليلة السابع والعشرين، أم أنها في ليلة أخرى، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال التمسوها في العشرة الاواخر من رمضان، وخاصة الليالي الوترية.
وقد دار هذا السجال نفسه الذي يدور بيننا في زمننا هذا دار أيضا بين الصحابة، وبين التابعين والعلماءعلى مدار التاريخ، فقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله وعدد من الصحابة بحضور سيدنا عبدالله بن عباس، التفوا حول تحديد ليلة القدر، ويومها، حيث سأل عمر بن الخطاب جمعا من الصحابة رضوان الله عليهم حول موعدها، فأجمعوا علي أنها في الليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان وهي الإجابة التي لم تروق كثيرا لأمير المؤمنين الذين كان يتوق لمعرفة يوم محدد لهذه الليلة المباركة.
إلا أن عبد الله بن عباس وكان شابا صغيرا جدا، وبالرغم من اعتراض بعض الصحابة على تواجده في تفسير مثل هذه المسألة الهامة بينهم، دافع عنه عمر قائلا : "إنه فتى له قلب عقول ولسان سؤول"، ثم وجه له نفس السؤال .
رد عبد الله بن عباس بشكل حاسم أنها ليلة سبع وعشرين.
وأكد عبد الله بن عباس حبر الأمة، بأنها ليلة سبع وعشرين ، ما أثار فضول فاروق الأمة حيث خاطبه متسائلا : وما أدراك ؟ فقال : إن الله تعالى خلق السموات سبعاً ، وخلق الأرضين سبعاً ، وجعل الأيام سبعاً ، وخلق الإنسان من سبع ، وجعل الطواف سبعاً ، والسعي سبعاً ، ورمي الجمار سبعاً . فيرى ابن عباس أنها ليلة سبع وعشرين من خلال هذه الاستنباطات ، وكأن هذا ثابت عن ابن عباس .
بل أن هناك عديدا من الأمور التي استنبط منها أن موعد ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين منها : أن كلمة فيها من قوله تعالى : " تنزل الملائكة والروح فيها "هي الكلمة السابعة والعشرون من سورة القدر.
ولكن استنباط سيدنا عبدالله بن عباس حول ليلة القدر لم ينه الجدل حول الأمر فمع أن أرجح الروايات تشير لكونها ليلة السابع والعشرين إلا أن اجتهادات الفقهاء كانت متعددة في هذا السياق فقد تكون أحياناً ليلة إحدى وعشرين ، كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدّم ، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء في رواية عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه كما تقدّم ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى ) رواه البخاري.
اقرأ أيضا:
بشريات كثيرة لمن مات له طفل صغير.. تعرف عليهافي الليالي الوترية من العشرة الأخيرة.. هل تنتقل ليلة القدر بين هذه الليالي في كل عام؟
تحدث بعض العلماء أنها تتنقل بين الليالي وليست في ليلة معينة كل عام ، قال النووي رحمه الله : " وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك ، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها " المجموع 6/450.
واستمر الجدل حول موعد هذه الليلة المباركة فبعض أهل العلم رجح أنها ليلة خمس وعشرين بينما قال معظم الصحابة والتابعين أنها ليلة السابع والعشرين من رمضان فيما يشير أخرون في أنها ليلة التاسع والعشرين بل أن البعض لم يستبعد تحريها في الليلة الأخير من رمضان .
ولكن جمهور العلماء رغم هذا الخلاف أجمعوا علي أن ليلة القدر في العشر الأواخر في أوتارها وأرجحها والله أعلم ليلة سبع وعشرين ثم ليلة ثلاث وعشرين ثم ليلة إحدى وعشرين ووقتها من غروب الشمس إلى طلوع الفجر مستدلين بقوله تعالي حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" القدر: 5 الآية .
وقد أخفى الله هذه الليلة على عباده كي يجتهدوا في العبادة ولئلا يتكلوا على فضلها ويقصروا في غيرها، وهذا فضل منه سبحانه ليزداد المسلمون طاعة وتقرباً إليه وسعيا للفوز برضوانه تبارك وتعالي في ليلة هي خير من ألف شهر فهي ليست كالعبادة في الف شهر لكن أفضل منها كما نجد في كلة "خير " في سورة القدر .