عرف الفقهاء وأهل العلم مصطلح الذكر بأنه التذكّر، وعدم الغفلة والنسيان، وبشكل أكثر توضيحا هو استحضار عظمته، وجلاله، مع التزام أوامره، وطاعته في كلّ حالٍ، ولذا فمن الخطأ الاعتقاد بأن ذكر الله يقتصر علي التسبيح، والتهليل، والاستغفار فالذكر أعم من ذلك باعتباره شاملا الطاعات القربات كلّها التي يحاول عبرها العبد المؤمن حيازة رضا ربه وكذلك تجنب الوقوع في المعاصي باعتبارها من أهم أنواع ذكر الله
ومن المهم الإشارة إلي أن الله سبحانه تعالى أمرنا في كتابه الكريم أن نكون من الذاكرين، قال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا"، فالذكر هو: عبادة القلب الذي يصلح بها ويطمئن بها، قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"، فإذا اطمئن القلب صلح، وصلح بصلاحه سائر الجسد.
وكذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ألا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ "ومن ثم فالذكر عماد القلب، والقلب عماد الجسد، فقلب المؤمن يحيا بذكر الله تعالى، وبحياة القلب يحيا سائرُ البدن، فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم : "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ".
ومن خلال هذا المعني وبحسب الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق ندرك أن الصلاة التي هي عماد الدين وركنه الركين إنما شرعت لأجل ذكر الله تعالى قال تعالى: "وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي". بل عندما يشرع المسلم في صلاته، بقوله "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ يباهي الله به ملائكته ويقول لهم: "ذكرني عبدي".
أهل العلماء يرون أن الذكر هو الإطار العام والبيئة الطيبة التي لا بد منها حتى تترعرع فيها بقية العبادات ومن ذلك نلحظ أن الإحرام بالصلاة يبدأ بالتكبير وختامها بالتسليم، وكلاهما ذكر لاسم من أسماء الله تعالى قال تعالى : "وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى".ومن الثابت القول أن الصيام الذي هو سر بين العبد وربه؛ حيث لا يعلم أحد حقيقة صوم العبد من عدمه ينتهي بإعلان التكبير للعيد وذلك من ذكر كذلك قال تعالى : "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".
الأمر عينه يتكرر في الحج الذي يشتمل على الذكر في كل خطوة منه في كل مشاهده قال تعالى : "فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ ؟
مما سبق يتضح أن هناك علاقة وثيقة بين الذكر و بقية العبادات كعلاقة الشجر بالأرض؛ فلا يمكن أن تزرع شجرة دون أن تمتلك أرضا تزرعها فيهافالأمر بالذكر هو أمر المحب لمن يحب، وإنما يَمْتَثِل له من صدق في الحب يقول تعالى "فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ"
وقال الله تعالي في حديث قدسي فيما يرويه صلى الله عليه وآله وسلم : «وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ "وإذا أحب المرء منا حبيبا طلب منه أن يذكره -ولله المثل الأعلى-، فالذكر أمارة الحب،
كثرة ذكر الله كانت لها فضائل عديدة في منها كسب رضا الله تعالى بل أن سبب في ذكر الله لعبده؛ فإذا ذكر الله عبده، فإنه يتولّى شأنه، ويقضي حوائجه، ويلبيه عند ندائه، ويحفظه، ويكون في معيّته.
ومن فضائل ذكر الله أنها تعمل علي تنقية القلب من شوائب الذنوب وأصدائها، وجلاء له من كل كدر، وطمأنينة وراحة حتى وقت الشدائد. أمان من عذاب الله تعالى. الدخول فيمن أظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة يعد نتيجة لكثرة ذكر الله فهو سبب في البعد عن الغفلة، وتذكر العبد لربه عندما يهمّ في فعل معصية بل أن كثرة الذكر تكون السبب الأهم لدخول الجنة وتأمين رضا الله رب لعالمين عن عبده الكثير الذكر .