ورد في حديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل؟ فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك. قلت: هو ذاك. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود".
حينما تتفكر في قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل الذي كان يخدمه ربيعة بن كعب الأسلمي، ومع ذلك لم يبتغ غير مرافقة النبي في الجنة، تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يحمل هم كل مسلم ومؤمن، بل وهم البشرية أجمع، في إنقاذها من العذاب، حتى أنه صلى الله عليه وسلم بكى حينما مرت جنازة اليهودي، فتعجب الصحابة وسألوه عن سر بكائه، فأجابهم بأنها نفس تفلتت منه إلى النار.
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم دالاً على الخير في كل مناسبة لأصحابه ولأمته، إيمانًا منه بكل نفس بشرية وخوفًا عليها من أن يطولها عذاب الله عز وجل.
وكان من بين ما دل عليه النبي صلى الله عليه وسلم لإنقاذ كل واحد منا، نصيحته بثلاثة أشياء تعينه صلى الله عليه وسلم على إنقاذنا، وهي:
اظهار أخبار متعلقة
اجتناب الكبائر:
قال سبحانه:" إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء:31]، فبين سبحانه أن من شرط دخول الجنة وتكفير السيئات اجتناب الكبائر، قال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًاا [النساء:31]، فدل ذلك على أن من لم يجتنبها لا يحصل له على الجواب، لأن (إن) شرطية: (إن تجتنبوا) والجواب: (نكفر) وعلى القاعدة: أن الجواب مرتب على الشرط فمتى وجد الشرط وجد الجواب والجزاء وإلا فلا.
فعلى المؤمن أن يبتعد عن الكبائر ويحذرها وهكذا المؤمنة، والكبائر: المعاصي العظام التي جاء فيها الوعيد كلعنة أو غضب أو نار، أو جاء فيها حد في الدنيا مثل الزنا والسرقة والعقوق للوالدين وقطيعة الرحم، وأكل الربا وأكل مال اليتيم.. الغيبة والنميمة.. السب والشتم إلى غير هذا من الكبائر، فالواجب الحذر منها غاية الحذر.
ومن هذا ما ورد في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما لم تغش الكبائر، وفي اللفظ الآخر: إذا اجتنب الكبائر، فدل ذلك على أن هذه العبادات العظيمة إنما تكفر بها السيئات عند اجتناب الكبائر فهي مطابقة للآية الكريمة، هذا الحديث مطابق للآية الكريمة، كذلك لما توضأ مرة صلىالله عليه وسلم الوضوء الشرعي ذكر: أن من توضأ فأحسن وضوءه غفر له قال في رواية: ما لم تصب المقتل وهي الكبيرة.
فينبغي للمؤمن وهكذا المؤمنة أن يجتهد كل منهما في احتساب الخيرات والمنافسة في الأعمال الصالحات مع الحذر من السيئات وتعاطيها ولاسيما الكبائر.
النوافل
إذا اجتهد العبدُ في صلاة التطوع من الرواتب، وصلاة الضحى، وقيام الليل، وسنة الوضوء، وغيرها. رُجي له أن ينال هذه الفضيلة، وهي مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وبقدر الاجتهاد في فعلها، والحرص على الإكثار منها يقوى رجاء العبد في تحصيل هذا الخير، نسأل الله أن يجعلنا وإياك من أهله.
و بعض الناس يحسبون أن النوافل محصورة في الصلاة؛ والصواب أن لكل عبادة فروضها ونوافلها؛ فكما أنّ للصلاة نوافلها، فكذلك للزكاة نوافلها، وللصوم نوافله، وللحج نوافله.
إن في النوافل من المعاني والدلالات العظيمة ما لا يدركه إلا من فتح الله عين بصيرته، وأزاح الران عن قلبه. ولكل نافلة من الأنوار والتجليات ما يطمس بقوته نور الشمس! غير أنه استقر في الأزمان الأخيرة في عقول بعض المسلمين التهاون بالنوافل. فإذا طلبت من أحد هؤلاء أن يصلي ركعتين بعد فرض الظهر مثلا، قال: إنها سنة!. وإذا قلت له: صم يوم عرفة، قال: إنه سنة!.
أسرار النوافل:
1- أن النوافل أولا سور منيع، وسياج يحمي الفرائض من تسرب الضعف إليها؛ فمن حافظ على النوافل كان على الفرائض أكثر محافظة، ومن تهاون بها كانت الخطوة التالية إذا تمكن الكسل من المرء أن يفرط بالفرائض، والعياذ بالله.
فالشيطان يشجع المرء أولا على ترك النافلة، محتجا بأنها ليست مفروضة، فإذا نجح في ذلك خطا خطوة أخرى مع العبد الذي انخدع به وخضع لإيحاءاته.
2- والنوافل جوابر؛ يجبر بها يوم القيامة ما قد يكون في الفرائض من نقص أو خلل غير مبطل. أرأيت الإنسان إذا كسر عضو من أعضائه كيف توضع له الجبيرة ليعود العضو كما كان؟! وكذلك النوافل تعوض النقص وتصلح الخلل؛ فقد جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط أن أبا هريرة قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن أتمها كتبت له تامة، وإن كان قد انتقصها قيل: انظروا هل لعبدي من نافلة تكملون بها فريضته؟ ثم تؤخذ الأعمال بعد ذلك”.
3- النوافل دليل العبودية الحقة لله تعالى؛ لأن أي فعل لا بد له من دافع يدفع إليه. ومن المعلوم أن الإنسان يميل بطبعه إلى الراحة، فما الذي يجعل جنبه يتجافى عن مضجعه؟ وما الذي يبعثه من فراشه ليقف في ليل الشتاء البارد متذللا خاشعا بين يدي مولاه؟ إنه الشوق إلى مرضاة الله، والراحة التي يجدها في الركون إليه، وما يمده الله به من الأنوار.
فالنوافل دليل واضح وبرهان ساطع على أن العبد يتذوق حلاوة العبادات ولا يستثقلها، ويدرك أثرها في حياته الدنيا والأخرى.
4- ومن أسرار النوافل أنها باب واسع مفتوح للربح وجني الأجر والثواب من غير حدود وقيود.
كثرة السجود
السجود لله من صفات المؤمنين الذين يبتغون رضا الله عنهم والفوز بالجنة؛ قال الله عز وجل: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29].
فيا سعادة مَن سجد لله جل جلاله، فأول سعادةِ سحَرةِ فرعون سجودُهم لله جل جلاله؛ قال عز وجل: ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ [الشعراء: 46 - 48]؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "ولما عَلِمت السحرةُ صِدْقَ موسى وكَذِبَ فرعون، خرُّوا سُجَّدًا لربِّهم، فكانت تلك السجدة أولَ سعادتهم، وغفران ما أفنَوا فيه أعمارَهم من السِّحْر".
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبينللسجود لله عز وجل فضائلُ، منها:
أنَّ مَن سَجَدَ لله عز وجل، فلن تأكل النار أَثَرَ سجودِه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((تأكل النار من ابن آدم إلا أَثَر السجود؛ حرَّم الله على النار أن تأكل أَثَر السجود))؛ [متفق عليه].
ومنها أنَّ كثرة السجود سببٌ لدخول الجنة؛ عن ربيعة الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آتيه بوَضُوئه وبحاجته، فقال لي: ((سَلْني))، قلتُ: مرافقتك في الجنة، قال عليه السلام: ((أو غير ذلك؟)) قلتُ: هو ذاك؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((فأَعنِّي على ذلك بكثرة السجود))؛ [أخرجه مسلم].
ومنها أنَّ السجود يزيد الحسنات، ويحطُّ السيئات، ويرفع الدرجات؛ فعن معدان بن أبي طلحة اليعمري رضي الله عنه قال: لقيت ثوبانَ مَولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعملٍ أعمله يدخلني به الجنة، أو قال: قلت: بأحبِّ الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته، فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدةً، إلا رَفَعَك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة))، قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال لي مثل ما قال ثوبان؛ [أخرجه مسلم].
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن عبد يسجد لله سجدةً إلا كَتَب الله له بها حسنة، وحطَّ عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة؛ فاستكثِروا من السجود))؛ [أخرجه ابن ماجه].
ومنها أنَّ السجود من أسباب رحمة الله لعبده؛ قال الله جل جلاله: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾ [الفرقان: 60]؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: السجود من أسباب الرحمة؛ ولهذا قال: ﴿ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ﴾ [الفرقان: 60] سواء السجود العام أو السجود الخاص؛ فإنه من أسباب الرحمة؛ ولهذا لم يقل: اسجدوا لله، بل قال: ﴿ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ ﴾ [الفرقان: 60]؛ يعني: لتصلوا إلى رحمة هذا المسجود له.
ومنها أنَّ السجود موضعُ استجابةٍ للدعاء؛ عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأمَّا الركوع، فعظِّموا فيه الرب، وأمَّا السجود، فاجتهِدوا في الدعاء؛ فقَمِنٌ أن يستجاب لكم))؛ [أخرجه مسلم].