يتحتم علينا بأن نكون نصراء للمظلومين والمستضعفين ولو بالدعاء، فنصرة المظلوم جهاد في سبيل الله، ولو كان بالدعاء له، وهناك طرق كثيرة لنصرة المظلوم منها الدفاع عنه ونصرته بالمال أو الكلمة، فإن لم نستطع فبالدعاء.
فما أكثر المظلومين في العصر الحاضر، وما أكثر من يحتاجون لدعائنا ليل نهار أو نبكي عليهم ونشد أزرهم وأن نعتذر منهم نتيجة عجزنا في نصرتهم، وأن نعلمهم بأن قلوبنا معهم، وأيدينا مرفوعة لله من أجلهم، فقد يكون هذا أكثر ما يلهب حماس المظلوم في أن يتحمل ويستمر.
حلف الفضول
فهل تذكر من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حضوره الشريف، صلى الله عليه وسلم لحِلْفَ الفضول من أجل نصرة المظلوم، فما قصة هذا الحلف؟
هذا الحلف باختصار وهو حلف الفضول كان حلفا في الجاهلية التي كان يبغضها النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت رسالته من أجل وأد هذه الجاهلية، ولكنه مع ذلك سارع بالانضمام لحلف الفضول هذا لسمو أهدافه في نصرة المظلوم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي وَأَنَا غُلامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ))؛ والمراد بالمطيبين هنا: حلف الفضول، الذي كان في دار عبدالله بن جُدْعان، حضره النبي صلى الله عليه وسلم وعمره خمس عشرة سنة.
سبب انعقاد حلف الفضول
وسبب انعقاد حلف الفضول أو المطيبين كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، أن رجلًا من زبيد- مدينة يمنية ولَّى النبي عليها أبا موسى الأشعري- قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل، فحبس عنه حقَّه، فاستعدى عليه هذا الرجل الزبيديُّ الأحلافَ؛ عبد الدار، ومخزومًا، وجمعًا، وسهمًا، وعدي بن كعب، فأبَوا أن يُعينوا على العاص بن وائل، وانتهروه، فلما رأى الزُّبَيْدي الشر، أوْفى على أبي قُبَيْس- جبل بمكة- عند طلوع الشمس، وقريش في أنديتهم حول الكعبة، فنادى بأعلى صوته:
يا آلَ فِهْرٍ لمظلومٍ بِضاعَتُهُ
بِبَطْنِ مَكَّةَ نائي الدَّارِ والنَّفَرِ
ومُحْرِمٍ أشعَثٍ لم يَقْضِ عُمْرَتَه
يا للرِّجالِ وبَيْن الحِجْر والحَجَرِ
إن الحَرامَ لمن ماتت كرامتُه
ولا حَرامَ لِثَوْبِ الفاجِرِ الغُدَرِ
فقام الزبيرُ بن عبد المطلب، وقال: ما لهذا مَتْرك؟ فاجتمعت هاشمٌ، وزُهرةُ، وتَيْمُ بن مرة، في دار عبدالله بن جُدْعانَ، فصنع لهم طعامًا، وتحالفوا في ذي القَعْدَة، في شهرٍ حرام، فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونُنَّ يدًا واحدةً مع المظلوم على الظالم، حتى يُؤدَّى إليه حقُّه، ثم مشوا إلى العاص بن وائل، فانتزعوا منه سِلْعة الزُّبَيْدي، فردوها إليه.
وأنشد الزبير بن عبد المطلب:
حَلَفْتُ لنَعْقِدَنْ حِلْفًا عليهم
وإن كُنَّا جميعًا أهْلَ دارِ
نُسَمِّيهِ الفُضُولَ إذا عَقَدْنا
يَعِزُّ به الغَريبُ لذي الجِوارِ
ويَعْلَمُ مَنْ حَوالي البيتِ أنَّا
أُباةُ الضَّيْمِ نَمنَعُ كُلَّ عارِ
فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لحِلْف جاهلي؛ لم يكن إلا لأنه يحقق مقاصد الإسلام، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ)).
كما أن الله نص سبحانه وتعالى على نصرة المظلوم في عشرات الآيات، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: ((واتَّقِ دعوةَ المظلومِ، فإنه ليس بينها وبَيْن اللهِ حِجابٌ)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((انصُر أخاك ظالمًا أو مظلومًا))، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: ((تحجزه، أو تمنعه، من الظلم، فإن ذلك نَصْرُه)).
وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، وإني سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا ظالمًا، فلم يأخُذُوا على يديه؛ أوشك أن يعمَّهم اللهُ بعقابٍ منه)).
و قال صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا دعوةَ المظلومِ؛ فإنَّها تُحمَلُ على الغَمامِ، يقول اللهُ جلَّ جلالُه: وعِزَّتي وجَلالي لأنْصُرَنَّك ولو بَعْدَ حِينٍ)).