من يعيش في الدنيا بلا غاية ولا طموح فهو في الحقيقة ميت؛ فالطموح والغاية هي الأمل الذي يسعى الإنسان لتحقيقه وكلما اقترب منه كلما اجتهد والعكس.
وإذا كان هذا في حياة الناس الاجتماعية فهو في موقفهم من الدين الذي بدونه تتخبط الرؤى ويصير المرء تائها حيران لا يعرف أين يضع قدمه ولا ما ينبغي أن يفعله وما لا يفعله.
إن الإسلام الحنيف سهل لنا نحن المسلمين المور ووضع لنا إجابة عن كل سؤال وأنار لنا بهداياته أوامره ونواهيه الطريق وحثنا بالوعد والجزاء على السعي والعمل وحذرنا بالوعيد والعقاب عن التكاسل وما يضرنا وبهذا فالسلم لحق هو من يعيش لغاية أخروية همه رضا الله والدار الآخرة.
الرضا بما قضى الله يريح القلب:
ولما كان الله تعالى هو خالقنا ويعلم ما ينفعنا وما يضرنا فإن التسليم لأمره فيه راحة البدن والنفس جميعًا؛: "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخبير" [الملك: 14] فهو العليم به، والخالق الذي خلق من حقه أن يأمر، وعلى العبد أن يمتثل أمره ويستجيب لما يأمر به سبحانه، قال عزّ وجلّ: "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" [الأعراف: 54]، بحسب ما ذكره د. عادل هندي الأستاذ بجامعة الأزهر، ومن هنا فإنّ من بين القيم الأساسية التي أكّدت عليها السورة (تعظيم المرجعية) فمرجع المسلم هو الله تعالى وتشريعه الحكيم، وينبغي على من دان بالإيمان ألا يتقدّم ولا يُقَدِّم على أمر الله هوى نفسيًّا أو رؤية عقلية يظن أنه أخبر وأعلم من الخالق نفسه، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [الحجرات: 1]. لا تقّدموا: لا تتساهلوا في المخالفة للشرع، لا تُقدّموا هواكم أو رؤاكم العقلية والذهنية على أمر الله تعالى، لا تخرجوا عن أمره وإن لم تعرفوا لأمره حكمة!!
مخالفة الرسول تستلزم المشقة والعنت:
ويضيف: يستتبع الالتزام بما أمر به سبحانه، الالتزام بما جاء به
الرسول صلى الله عليه وسلم فإن مخالفته تسبب العنت والمشقة، فلا صوت يعلو على صوته، ولا هدي يرتفع على هديه، ولا طريق هو أرقى من طريقه وطريقته صلى الله عليه وسلم يقول ربُّنا: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ" [الحجرات: 2]
ويوضح أنه قد يفهم البعض أن المقصود هو علوّ الصوت ماديًّا، لكن هذا فهم ضيق؛ فعلو الصوت يعني أن أيّ محاولة للاستدراك على الرسول فيما جاء به إنما هو محض جهل واستهزاء واستهتار بالشرع والشارع معًا، وهذا عنتٌ ومشقة لازمة، يقول تعالى: "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ" [الحجرات: 7] فهذا بيان واضح بأنّ مخالفة
الرسول صلى الله عليه وسلم سبب من أسباب الشقاء والتعاسة. وعلى هذا فإن أول ما تؤكّد عليه السورة: (قيمة المرجعية والمصدرية) وتقدير ما جاء به الرسول الحبيب من عند ربه -جل وعلا-. فإنّ وجود الرسول بيننا بسنّته وسيرته صمام أمان للمجتمع من الهلاك، فمتى انحرفت الأمّة عن منهجه أصابها ونالها نصيبها من الشقاء والعنت، كما يتضح من بقية السورة؛ فمخالفة هذه القيمة يترتب عليه تلقائيًّا فِعْل كل ما نهت عنه السورة تباعًا من الغيبة والتجسس وسوء الظنّ والتنابز بالألقاب.. إلى غير ذلك.
الإسلام يحث على الإبداع وحرية التفكير:
وعليه، فمن هُنا ينبغي القول بأنّ الإسلام لا يمنع العقل عن أن يُفكِّر وأن يتدبّر الأمور والمواقف؛ بل يدعو الإنسان إلى إعمال العقل في الأمور التي يُتاح له ويُباح أن يُعمل عقله فيها؛ ففي الدين غيبيات -كالدار الآخرة وعالَم الملائكة- وأوامر تشـريعية وأحكام -كتقبيل الحجر الأسود، والمسح على أعلى الخُفين- لا يصح ولا يُعقَل أن يصير العقل فيها حاكمًا عليها وهو المخلوق العاجز، بينما نراه
صلى الله عليه وسلم قد شجّع أًحابه على حُسْن التصرف بالعقل في التعامل مع الأوامر والمواقف، كمثل ما حدث يوم بني قريظة، فالذين صلّوا لم يُنكر عليهم اجتهادهم، ولم يُنكر على من التزموا بما أمر به. هذا هو الإسلام! هذا هو الدين الذي يُصِرّ البعض بين حين وآخر على اتهامه بأنّه يحجر على الإنسان في تفكيره العقلي.