عن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها”.
وفي الحديث المتفق عليه أيضا عن أبي صالح، عن أبى هريرة: (أن فقراء المهاجرين أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور[1] بالدرجات العلى والنعيم المقيم. فقال «وما ذاك؟». قالوا: يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويُعتقون ولا نُعتق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلا أُعَلمكم شيئا تُدركون به مَن سبقكم وتسبقون به مَن بَعدكم ولا يكون أحد أفضلَ منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟». قالوا بلى يا رسول الله. قال: «تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة». قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهلُ الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
المال في الإسلام ركن من أركان الدين، كما هو ركن من أركان الدنيا. أما كونه من أركان الدنيا فأمر يعرفه الجميع ولا يجادل فيه أحد، وقد قالوا: المال قِوام الأعمال، والمال قوام الحياة. وهو معنى مذكور في قوله تعالى {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا} [النساء: 5].
ويكفي المالَ فضلا أنه يمكِّن صاحبَه من العيش بكرامة وعفة: يُعطي ولا يَطلب، وينفق ولا يَسأل. وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يُعِفَّه الله، ومن يستغنِ يُغْنِه الله).
ولكن كيف تصون نعمة المال من الضياع؟
أولًا- المال الحلالُ الطيب يُبارك الله فيه ولو كان قليلًا، والمال الحرام يَمحق الله بركته ولو أعجبتْك كثرتُه؛ قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276].
ثانيًا- ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻷﻭﻟﻮﻳﺎﺕ في الإنفاق، ويقدم في ذلك الأهم فالأهم، وهي على ثلاثة مراتب.
الضروريات: وهي ما لا يمكن الاستغناء عنه ويحصُل الضرر بفقده.
الحاجيات: وهي ما يشق على الإنسان الاستغناء عنه من الحاجات.
الكماليات: وهي ما يمكن الاستغناء عنه، وذلك مثل أمور الزينة المباحة.
ثالثًا- ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩ في الإنفاق:
وذلك أن الغني ينفق نفقة الغني من دون إسراف، والفقير ينفق نفقة الفقير من دون إمساك، والناس في ذلك درجات، فكل أحد بحسبه؛ قال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].
رابعًا- ﺍﻟﺘﺸﺎﻭﺭ في إدارة المال:
ومن ذلك التشاور بين ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﻦ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﺎﻝ، فما ندم من استشار، والشورى مشروعة في عموم الأمور، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
خامسًا- ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ:
القناعة بما في اليد غنى وراحة؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)؛ متفق عليه.
سادسًا- ﺍﺳﺘﺸﻌﺎﺭ المسؤولية ﻋﻤﻦ ﺗﻌﻮﻝ:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّعَ من يَقُوت)؛ رواه مسلم وغيره.
سابعًا- ﺍﻻﺳﺘﺜﻤﺎﺭ اﻵﻣﻦ ﻭﻟﻮ ﺑﻤﺒﻠﻎ ﻗﻠﻴﻞ، وكل يأخذ ما يناسبه فباب الحلال واسع؛ قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].
اقرأ أيضا:
لا تدع الإيمان ينقص في قلبك وجدده بهذه الطريقةثامنًا- ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ:
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [سورة نوح ١٠ - ١٢].
تاسعًا- الامتناع عن ﺍﻟﻬﺪﺭ والإسراف ﺍﻟﻤﺎلي وفحص أسبابه، ووضع خطة شهرية:
لكيلا نكون ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].
عاشرًا- ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ:
ومن ذلك طلب الرزق والبركة فيه ومن ذلك أيضًا الحذر والاستعاذة من الدين؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)؛ رواه البخاري.