قد تقف مذهولاً لدقائق حينما تصادفك بعض خطوط الموضة الجنونية بين الشباب على جسد أحدهم، والتي وصلت لحد الشذوذ وفساد الذوق، وانكشاف بعض عوراتهم أكثر من سترها، فقد انتشرت موضة "تسقيط البنطلون" و"البنطلون المقطع" بين الجنسين، لتتحول في فترة قصيرة إلى ظاهرة، رغم الانتقادات والسخرية.
في الوقت الذي يجهل فيه الكثير من الشباب المسلم والعربي، خلفية انتشار هذه الموضة، ومكانها، حيث بدأت موضة "تسقيط البنطلون" في السجون الأمريكية، حينما كانت قوات الأمن تمنع المساجين من لبس الأحزمة خوفًا من استخدامها كأسلحة للشنق والقتل، فكانت "بناطيل" المساجين تسقط.
ومع خروج عدد من المساجين إلى المجتمع الخارجي، وبعد اعتيادهم على عدم ارتداء الأحزمة، ظلوا مقاطعين لها، فأصبحت "بناطيلهم" تسقط، حتى تحول الأمر إلى موضة أو تقليعة.
إلا أن هذه التقليعة تطورت في الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح "تسقيط البناطيل" طريقًا لتمييز الشواذ في الشوارع كي يتعرف عليهم أمثالهم، بعد أن أعجبتهم هذه الموضة، ولكن للأسف انتقلت هذه الموضة الشاذة بين العرب والمسلمين نتيجة جهلهم بتفاصيلها، ودون اعتبار للذوق السليم.
لتتبعها بعد ذلك موضة البناطيل المقطعة التي تكشف أكثر مما تستر جسد الشباب والفتيات، وتعتمد فكرة "البنطلون المقطع" على عدة شقوق في أماكن مختلفة في من "البنطلون"، وقد يظهر جسد الرجل أو المرأة من خلالها، ومن بعدها انتشرت فكرة البنطال المقلوع، وتعتمد تلك التقليعة على فكرة أن يكون أول "البنطلون" عند أول الركبة، ويظهر من أعلى "عند منطقة العانة" شورت بنفس لون "البنطلون"، وما بينهما عار تماما.
كيف تبدو أكثر جمالا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟
مع انتشار هذه الموضة الشاذة، بين الشباب، تنتشر معها فساد الأذواق السليمة، فقد تعجب يوما بهذه الموضة ولكن سرعان ماتجدها غير مناسبة لك ولرجولتك وفطرتك التي فطرت عليها، فضلا عن مخالفتها للذوق العالم ومقاييس الوسامة والجمال.
فقد يكون أحد الشباب ميالا للجنون في ارتداء مثل هذه الموضة الشاذة للفت نظر الفتيات، أو الشباب من أصدقائه، إلا أن هذه الموضة ربما لا تنال إعجاب الجميع، خاصة إذا كانت بمثل هذا الشكل الغريب.
وإذا رجعت لسنة النبي صلى الله عليه وسلم تعرف معنى الجمال الحقيقي من خلال الحفاظ على نظافة البدن والثياب، والتناسق بين البدن وما يظهر عليه، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أنيقا وصاحب ذوق رفيع ما رأى الصحابة أجمل ولا أحسن منه مع أنه لم يكن يغالى أو يبالغ لكنه كان جميلا يحب الجمال فكان عليه الصلاة والسلام يلبس ما تيسر له من اللباس، سواء أكان صوفاً، أم قطناً أم غير ذلك، من غير تكلف ولا إسراف ولا شهرة وكان له ثوب يلبسه في العيدين وفي الجمعة، وكان إذا وفد عليه الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر أصحابه بذلك وكان صلى الله عليه وسلم يهتم بنظافة ثيابه، ويحرص على تطييبها، ويوصي أصحابه بذلك.
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلَّم أن حسن السمت، والزيِّ الحسن من شمائل الأنبياء وخصالهم النبيلة ... وحرص صلى الله عليه وسلم على تربية صحابته الكرام على كل هذه المعاني فكان يعلمهم كيفية سلوك طريق المحبة بعبارات وإشارات شتى، ما تزال تنبض بالنور إلى يومنا هذا، فانظر إن شئت، إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم الغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله!"(رواه مسلم) والغرة بياض في ناصية الحصان، والتحجيل بياض في يديه؛ فتلك سيم الجمال في وجوه المحبين وأطرافهم، يوم يرِدُون على المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي سيم "ليست لأحد من الأمم"(متفق عليه)، بها يعرفون في كثرة الخلائق يوم القيامة، كالدر المتناثر في الفضاء.
وأمر صلى الله عليه وسلم بالجمال والأناقة والتجمل الشخصي للفرد في ملبسه ومظهره وهندامه من دون إسراف أو تكبر أو مخيلة أو تفسخ وانحلال.. و دعا إلى التجمل والأناقة التي تظهر الجمال والذوق الرفيع لصاحبها وتحفظ شخصيته وإنسانيته وأخلاقه من الإنحطاط والإسفاف وتضفي على حياته الراحة والسعادة والبهجة والسرور.
فقد رأى صلى الله عليه وسلم رجل يقال له الأحوص الجشمي وعليه أطمارٌ ـ أي ثياب بالية ـ فقال: ((هل لك من مال؟ قال: قلت: نعم، قال: ومن أي المال؟ قلت: من كل ما أتى الله من الإبل والشاء، قال: فلتر نعمته وكرامته عليك؛ فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده).
اقرأ أيضا:
فواحش الإنترنت.. كيف تقلع عنها فورًا؟الاعتناء بالشعر وتسريح اللحية
وكان صلى الله عليه وسلم يعتني بترجيل شعره ، وتسريح لحيته ، وكان لديه شعرٌ طويل يصل إلى أذنيه ، كما قال البراء بن عازب رضي الله عنه : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - له شعر يبلغ شحمة أذنيه " متفق عليه .
وعندما يطول شعر – صلى الله عليه وسلم – كان يربطه على شكل ضفائر ، ويدلّ عليه قول أم هانئ رضي الله عنها : " قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة وله أربع غدائر ) رواه أبو داود .
كذلك كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عنايةٌ خاصة بسنن الفطرة ، كتوفير لحيته وإعفائها ، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يرون لحيته من وراء ظهره ، يشير إليه قول خباب بن الأرت رضي الله عنه عندما سأله أبو معمر عن كيفيّة معرفتهم بقراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الظهر والعصر ، فقال له : باضطراب لحيته – أي تحرّكها - ، رواه البخاري .
ومن سنن الفطرة التي عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم قص الشارب ، وكان يأمر بذلك أصحابه ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال : ( قصوا الشوارب ، وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس ) بل صحّ عنه عليه الصلاة والسلام قوله : ( من لم يأخذ شاربه فليس منا ) رواه أحمد .
وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بنظافة فمه ، ويُكثر من استخدام السواك ، حال إفطاره وصومه ، وعند وضوئه أو صلاته ، وعند استيقاظه من نومه ، وحين دخوله لمنزله ، حتى في لحظاته الأخيرة أمر عائشة أن تأتيه بالسواك ، ليلقى ربّه بأطيب رائحة.
وأما عن ملابسه فقد كان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب أحلاها ، سواءٌ في ذلك عمامته وإزاره وكساؤه ، وبردته وعمامته ، وخفّه ونعله .
كما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من فضّة ، وكان فصّه من الحبشة يجعله مما يلي كفّه ، ويلبس الخاتم في خنصره ، وقد اتخذه ليختم به الرسائل التي كان يُرسلها إلى الملوك والأمراء .
وللطيب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم شأنٌ آخر ، فقد أحبّه حبّاً شديداً لا يكاد يوازيه شيء من أمور الدنيا ، وقال في ذلك : ( حُبّب إليّ من الدنيا النساء والطيب ) رواه النسائي ، ولذلك كان لا يردّ الطيب من أحدٍ أبداً .