أخبار

احذر.. عواقب صحية خطرة لشرب القهوة على معدة فارغة

يمنع الحاجة إلى الجراحة.. اختراق جديد في علاج التهاب المفاصل

حوار من القلب إلى القلب.. الإمام مالك وهارون الرشيد

أبي بن كعب .. لما ذكره الله باسمه صراحة لرسوله؟

أكثر ما يأكل الحسنات ويطرح بصاحبها في النار.. احترس من أكثر أمراض القلوب

حتى لا تجري وراء السراب.. احذر هذه الفتنة

"الفطرة".. نفخة الله التي تقودك إلى الصواب دائمًا.. كيف تبرمجها؟

تشمل الاستعداد ومستوى الصوت وسرعةالقراءة..15 وصية احرص عليها في تلاوتك للقرآن الكريم

بطولة منقطع النظير.. وصية الخنساء لأبنائها في القادسية

ذهبوا للإعتذار فأساءوا الأدب مع ربهم.. هكذا نزلت الصاعقة على بني إسرائيل عندما طلبوا أن يروا الله جهرة

تقوى الله والخوف منه الوجه الآخر لاستشعار معية الله وأعظم ثماره

بقلم | خالد يونس | الاحد 01 ديسمبر 2024 - 11:31 ص

استشعار مَعِيَّة الله عَز وَجَلّ لها  تأثير كبير على وجدان المسلم وعبادته لربه وسلوكه ومعاملاته مع الناس، لأن من أعظم ثمارها  الْإِيمَانَ بِإِحَاطَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِكُل شَيْء، وَأَنَّهُ مَعَ عُلُوِّهِ فَهُوَ مَعَ خَلْقِهِ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ أَبَدًا.

وَأَنَّناَ إِذَا عَلِمْنا ذَلِكَ وَآمَنَّا بِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ لَنَا كَمَالَ مُرَاقَبَتِهِ بِالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ؛ بِحَيْثُ لَا يَفْقِدُنَا حَيْثُ أَمَرَنَا، وَلَا يَجِدُنَا حَيْثُ نَهَانَا، وَهَذِهِ ثَمَرَةٌ عَظِيمَةٌ لِمَنْ آمَنَ بِهَذِهِ الْمَعِيَّةِ.

هذه الْمَعِيَّةُ إِذَا آمَنَّا بِهَا، تُوجِبُ لَنَا خَشْيَةَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَقْوَاهُ .

المعية نوعان 


كما أن صِفَةُ الْمَعِيَةِ للهِ  جل شأنه َهِيَ نَوْعَانِ: مَعِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَمَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ.. إِذَا آمَنَ الْعَبْدُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِاللهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَرَفَ أَنَّ اللهَ مَعَهُ، وَحِينَئِذٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ يُرَاقِبُ اللهَ، يَعْرِفُ أَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ خَافِيَةٌ.

فَإِذَا آمَنَ بِأَنَّ اللهَ مَعَهُ؛ أَيْ هُوَ عَالِمٌ بِهِ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، رَقِيبٌ عَلَى أَعْمَالِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ، وَعَلَى خَوْفِهِ مِنَ اللهِ، وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَتِهِ، وَعَدَمِ ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِيهِ، تَقُولُ لَهُ نَفْسُهُ وَيَقُولُ لَهُ قَلْبُهُ: كَيْفَ تَتَجَرَّأُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ مُرَاقِبٌ لَكَ وَلِأَعْمَالِكَ؟!!

وَيَحْمِلُهُ هَذَا عَلَى إِصْلَاحِ الْأَعْمَالِ وَعَدَمِ إِفْسَادِهَا، وَعَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالْبُعْدِ عَنِ السَّيِّئَاتِ، فَهَذِهِ فَائِدَةٌ مِنْ فَوَائِدِ الْإِيمَانِ بِمَعِيَّةِ اللهِ الْعَامَّةِ.

فإِذَا آمَنَ المسلم بِمَعِيَّةِ اللهِ الْعَامَّةِ، وَأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مُرَاقِبُهُ، وَأَنَّ اللهَ -تَعَالَى- مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ عَالِمٌ بِهِ، مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، رَقِيبٌ عَلَى أَعْمَالِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَلَى خَوْفِهِ، فَهَذِهِ ثَمَرَةٌ مِنْ ثِمَارِ الْإِيمَانِ بِالْمَعِيَّةِ الْعَامَّةِ.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الْإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللهَ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَزَكَّى عَبْدٌ نَفْسَهُ)).

فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَا تَزْكِيَةُ الْمَرْءِ نَفْسَهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ مَعَهُ حَيْثُمَا كَانَ)) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((التَّارِيخِ الْكَبِيرِ)) .

فَحَصَلَتِ التَّزْكِيَةُ بِالْإِيمَانِ بِهَذِهِ الْمَعِيَّةِ، وَأَيُّ تَزْكِيَةٍ أَعْظَمُ مِنْهَا؟!!

هَذِهِ ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ الْإِيمَانِ بِالْمَعِيَّةِ الْعَامَّةِ، ((وَزَكَّى عَبْدٌ نَفْسَهُ؛ أَيْ عَلِمَ أَنَّ اللهَ مَعَهُ حَيْثُمَا كَانَ)).

معية الله والخوف منه 


كما أن الْإِيمَانُ بِمَعِيَّةِ اللهِ الْعَامَّةِ يُثْمِرُ الْخَوْفَ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ أَثْنَى -سُبْحَانَهُ- عَلَى أَقْرَبِ عِبَادِهِ إِلَيْهِ بِالْخَوْفِ مِنْهُ؛ فَقَالَ عَنْ أَنْبِيَائِهِ بَعْدَ أَنْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ وَمَدَحَهُمْ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90].

فَالرَّغَبُ: الرَّجَاءُ وَالرَّغْبَةُ.

وَالرَّهَبُ: الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ.

وَقَالَ  عز وجل عَنْ مَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ قَدْ أَمَّنَهُمْ مِنْ عَذَابِهِ: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50].

وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي أَعْلَمُكُمْ بِاللهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً».

وَفِي لَفْظٍ آخَرَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «إِنِّي أَخْوَفُكُمْ للهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي».

وكان صلى الله عليه سلم يُصَلِّي وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].

فَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ بِاللهِ أَعْلَمَ كَانَ لَهُ أَخْوَفَ؛ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «وَكَفَى بِخَشْيَةِ اللهِ عِلْمًا».

نقصان الخوف ونقصان المعرفة 


وَنُقْصَانُ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ إِنَّمَا هُوَ لِنُقْصَانِ مَعْرِفَةِ الْعَبْدِ بِهِ، فَأَعْرَفُ النَّاسِ بِاللهِ أَخْشَاهُمْ لَهُ، وَمَنْ عَرَفَ اللهَ اشْتَدَّ حَيَاؤُهُ مِنْهُ وَخَوْفُهُ لَهُ وَحُبُّهُ لَهُ، وَكُلَّمَا ازْدَادَ مَعْرِفَةً ازْدَادَ حَيَاءً وَخَوْفًا وَحُبًّا.

فَالْخَوْفُ مِنْ أَجَلِّ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ، وَخَوْفُ الْخَاصَّةِ أَعْظَمُ مِنْ خَوْفِ الْعَامَّةِ، وَهُمْ إِلَيْهِ أَحْوَجُ، وَهُمْ بِهِ أَلْيَقُ، وَهُمْ لَهُ أَلْزَمُ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَسْتَقِيمًا أَوْ مَائِلًا عَنْ الِاسْتِقَامَةِ، فَإِنْ كَانَ مَائِلًا عَنْ الِاسْتِقَامَةِ فَخَوْفُهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَيْلِهِ، وَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهَذَا الْخَوْفِ.

وَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- يَكُونُ مَحْمُودًا، وَيَكُونُ غَيْرَ مَحْمُودٍ.

الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ: مَا كَانَتْ غَايَتُهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ.

الْخَوْف مِنَ اللهِ الَّذِي يَحول بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ بِحَيْثُ يَحْمِلُكَ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَهَذَا خَوْفٌ مِنَ اللهِ مَحْمُودٌ، فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْغَايَةُ سَكَنَ الْقَلْبُ وَاطْمَأَنَّ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَحُ بِنِعْمَةِ اللهِ، وَالرَّجَاءُ لِثَوَابِهِ؛ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58].

فَهَذَا هُوَ الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.



خوف مذموم


وَأَمَّا الْخَوْفُ غَيْرُ الْمَحْمُودِ: فَهُوَ مَا يَحْمِلُ الْعَبْدَ عَلَى الْيَأْسِ مِنْ رَوْحِ اللهِ وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَحِينَئِذٍ يَتَحَسَّرُ الْعَبْدُ وَيَنْكَمِشُ، وَيَتَمَادَى فِي الْمَعْصِيَةِ بِقُوَّةِ يَأْسِهِ؛ {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

فَالْخَوْفُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْيَأْسِ لَيْسَ مَحْمُودًا.

فاسْتِشْعَارُ الْمَعِيَّةِ يُثْمِرُ الْخَوْفَ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَالْخَوْفُ يَمْنَعكَ مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فإنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا لَمْ يَخَفْ مِنَ اللهِ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ طَالِبًا مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَهُوَ يَطْلُبُ مَا لَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَمْ يُحَصِّلْهُ، وَلَا يَخَافُ رَبَّهُ فِي طَلَبِهِ، وَيَتَّبِعُ هَوَاهُ.

هَذَا تَبْقَى نَفْسُهُ طَالِبَةً لِمَا تَسْتَرِيحُ بِهِ، وَتَدْفَعُ بِهِ الْغَمَّ وَالْحُزْنَ عَنْهَا، وَلَيْسَ عِنْدَهَا مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ مَا تَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ وَبِهِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ حِينَئِذٍ مِنْ فِعْلِ الْفَوَاحِشِ، وَشُرْبِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُغْضِبُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-.

الْإِنْسَانُ إِذَا لَمْ يَخَفْ رَبَّهُ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَأَمَّا إِذَا خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى؛ كَمَا قَالَ اللهُ.


حوار إبراهيم ابن أدهم وأحد العصاة  


وَالزُّهَّادُ مِنْ أُمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ شَفِيفَ الْبَصِيرَةِ جِدًّا، وَكَانَ لَهُ فِي الدَّعْوَةِ بَاعٌ لَا يُنْكَرُ.. إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ -رَحِمَهُ اللهُ-.

فَإِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ: إِنِّي قَدْ أَسْرَفْتُ عَلَى نَفْسِي، فَعِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ لَعَلَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَنْفَعَنِي بِهَا.

فَقَالَ: نَعَمْ، هِيَ خَمْسَةُ أُمُورٍ، إِنْ أَخَذْتَ بِهَا وَقَدِرْتَ عَلَيْهَا؛ نَفَعَكَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا.

قَالَ: هَاتِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ!

قَالَ إِبْرَاهِيمُ -رَحِمَهُ اللهُ-: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْصِيَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَلَا تَأْكُلْ رِزْقَهُ.

قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَكُلُّ مَا فِي الْأَرْضِ إِنَّمَا هُوَ رِزْقُهُ؟!!

قَالَ: أَوَ يَجْمُلُ أَنْ تَأْكُلَ رِزْقَهُ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ؟!!

قَالَ: لَا.. هَاتِ الثَّانِيَةَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ!

فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ -رَحِمَهُ اللهُ-: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْصِيَ أَمْرَهُ فَلَا تَسْكُنْ أَرْضَهُ، وَلَا تَكُنْ مُقِيمًا فِي بَلَدٍ مِنْ بِلَادِهِ.

قَالَ: هَذِهِ أَعْسَرُ مِنَ الْأُولَى يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ وَمَا دُونَهُ إِنَّمَا هُوَ مُلْكُهُ!!

قَالَ إِبْرَاهِيمُ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَوَيَجْمُلُ أَنْ تَأْكُلَ رِزْقَهُ وَتَسْكُنَ أَرْضَهُ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ؟!!

قَالَ: لَا.. هَاتِ الثَّالِثَةَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ!

قَالَ: إِنْ أَرَدْتَ إِلَّا أَنْ تَأْكُلَ رِزْقَهُ وَتَسْكُنَ بَلَدَهُ وَتَعْصِيَ أَمْرَهُ؛ فَاعْصِهِ فِي مَكَانٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْكَ فِيهِ.

قَالَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ وَهُوَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى الْبَوَاطِنِ، وَيَعْلَمُ الْهَوَاجِسَ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ؟!!

قَالَ: يَا هَذَا أَوَ يَجْمُلُ بِكَ أَنْ تَأْكُلَ رِزْقَهُ، وَتَسْكُنَ أَرْضَهُ، ثُمَّ تَأْتِيَ بِالْمَعْصِيَةِ كِفَاحًا بِحَيْثُ يَطَّلِعُ عَلَيْكَ؟!!

قَالَ: لَا وَاللهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، هَاتِ الرَّابِعَةَ!

فَقَالَ: إِذَا أَتَاكَ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقُلْ لَهُ: أَجِّلْنِي حَتَّى أَتُوبَ.

قَالَ: إِنَّهُ لَا يُمَكِّنُنِي يَا أَبَا إِسْحَاقَ!

قَالَ: فَأَيْنَ النَّجَاةُ إِذَنْ إِذَا كَانَ لَا يُؤَجِّلُكَ؟!!

قَالَ: هَاتِ الْخَامِسَةَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ!

فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ -رَحِمَهُ اللهُ-: إِذَا مَا أَخَذَ الزَّبَانِيَةُ بِيَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ لِكَيْ يُلْقُوكَ فِي النَّارِ؛ فَاسْتَعْصِ عَلَيْهِمْ وَلَا تُطَاوِعْهُمْ.

قَالَ: وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ؟!!

حَسْبِي؛ فَقَدْ فَطِنْتُ!.

الخوف يقمع الشهوات 


ومِنْ ثَمَرَاتِ الخَوْفِ أَنَّهُ يَقْمَعُ الشَّهَوَاتِ وَيُكَدِّرُ اللَّذَاتِ؛ فَتَصِيرُ الْمَعَاصِي الْمَحْبُوبَةُ عِنْدَهُ مَكْرُوهَةً كَمَا يَصِيرُ الْعَسَلُ مَكْرُوهًا عِنْدَ مَنْ يَشْتَهِيهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهِ سُمًّا، فَتَحْتَرِقُ الشَّهَوَاتُ بِالْخَوْفِ، وَتَتَأَدَّبُ الْجَوَارِحُ بِهِ، وَيَذِلُّ الْقَلْبُ وَيَسْتَكِينُ، وَيُفَارِقُهُ الْكِبْرُ وَالْحِقْدُ وَالْحَسَدُ، وَيَصِيرُ مُسْتَوعِبَ الْهَمِّ لِخَوْفِهِ، وَالنَّظَرَ فِي خَطَرِ عواقبهِ، فَلَا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ شُغْلٌ إِلَّا الْمُرَاقَبَةَ وَالْمُحَاسَبَةَ وَالْمُجَاهَدَةَ وَالضِّنَّةَ بِالْأَنْفَاسِ وَاللَّحَظَاتِ، وَمُؤَاخَذَةَ النَّفْسِ فِي الْخَطَرَاتِ وَالْخُطُوَاتِ وَالْكَلِمَاتِ.

اقرأ أيضا:

أكثر ما يأكل الحسنات ويطرح بصاحبها في النار.. احترس من أكثر أمراض القلوب

اقرأ أيضا:

حتى لا تجري وراء السراب.. احذر هذه الفتنة


الكلمات المفتاحية

معية الله الإيمان تقوى الله الخوف من الله خوف مذموم

موضوعات ذات صلة

الأكثر قراءة

amrkhaled

amrkhaled استشعار مَعِيَّة الله عَز وَجَلّ لها تأثير كبير على وجدان المسلم وعبادته لربه وسلوكه ومعاملاته مع الناس، لأن من أعظم ثمارها الْإِيمَانَ بِإِحَاطَةِ