لم يحلق الله شيئا أحلى مذاقا من العدل، ولا أروح للنفس من الإنصاف، وقد قالت اليهود للصحابي الجليل عبد الله بن رواحة، حينما أرادوا أن يقدموا له رشوة، فقال لهم: الله يشهد أني جئتكم من عند أحب الناس إليّ – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم-، والله يشهد أنكم أبغض الناس إليّ، وما يمنعني حبي له وبغضي لكم، أن أظلمكم ولو في مقدار تمرة رديئة، فقالت اليهود : يا ابن راوحة بهذا قامت السماوات والأرض.
ولأثر العدل نتائج وحكايات عجيبة، منها النصراني الذي أسلم بسبب عدل الإمام علي رضي الله عنه.
أصل القصة:
خرج الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا، فعرف علي رضي الله عنه الدرع، فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين.
وكان قاضي المسلمين شريحا وكان الإمام علي قد استقضاه - فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس قضائه وأجلس عليا في مجلسه وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني.
فقال علي: أما - يا شريح - لو كان خصمي مسلما لقعدت معه.. اقضِ بيني وبينه يا شريح.
فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال علي: هذه درعي وقعت مني منذ زمان.
فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال النصراني: ما أكذب أمير المؤمنين الدرع درعي.
فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة؟ فقال علي: صدق شريح.
فقال النصراني: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، وأمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه، هي - والله يا أمير المؤمنين - درعك.
وأضاف أنني اتبعتك وقد زالت عن جملك الأورق، فأخذتها، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقال علي: أما إذا أسلمت فهي لك، وحمله على فرس.
اقرأ أيضا:
وصايا الحكام لولاتهم.. ممن حذر عمر بن الخطاب؟مع اليهودي:
وعن الشعبي قال: ضاع درع لعلي رضي الله عنه يوم الجمل، فأصابه رجل فباعها، فعرفت عند رجل من اليهود، فخاصمه إلى شريح، فشهد لعلي الحسن ومولاه قنبر.
فقال شريح: زدني شاهدا مكان الحسن، فقال: أترد شهادة الحسن؟ قال: لا، ولكن حفظت عنك أنه لا تجوز شهادة الولد لوالده.
وأضاف شريح: أما شهادة مولاك فقد أجزناها وأما شهادة ابنك لك فلا نجيزها.
فقال علي رضي الله عنه: ثكلتك أمك أما سمعت عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».
ثم قال لليهودي: خذ الدرع، فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي؛ صدقت - والله يا أمير المؤمنين - إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فوهبها له علي وأجازه بسبع مائة، ولم يزل معه حتى قتل يوم صفين.