من يتأمل سيرة الصحابة والتباعين يدرك حقيقة الفرق بين ما نحن عليه الآن وما كان عليه الأوائل رضوان الله عليهم أجمعين، فالصحابة هم خير البشر بعض الأنبياء والمرسلين ثم التباعين وتابعيهم ثم من سار على نهجهم بعد ذلك.
ونقف في هذه السطور مع سيرة أحدج الصحابة الأعلام الذين عرفوا بالعلم والفقه في الدين وهو من الحفظة الكرام .. هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما.
نسب عبد الله بن عباس:
هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثلاث عشرة سنة.
منزلة عبد الله بن عباس:
لقد حز الصحابي الجليل عبد الله بن عباس منزلة عظيمة بين الصحابة وقد كان هذا بفضل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له: عن ابن عباس، أنه سكب للنبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: «من وضع هذا؟» فقالت: ابن عباس. فقال: «اللَّهمّ فقّهه في الدّين وعلّمه التأويل».. فكان رحمه الله حبر الأمة وترجمان القرآن والغواص الذي يغوص في المسائل المعضلة.
علم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
بلغ من علم الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنهما أنه كان مرجعية يرجع إليه في المسائل الفقهية الدقيقة، يقول ابن عباس: كان عمر بن الخطاب يسألني مع الأكابر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكان يقول: لا يتكلم حتى يتكلموا. وروى ابن عباس أن عمر كان يدينه فقال له عبد الرحمن بن عوف: أن أبناء مثله، فقال عمر: إنه من حيث تعلم. وقال له عمر: إنك لأصبح فتياننا وجهًا، وأحسنهم خلقًا، وأفقههم في كتاب الله عز وجل. وقالت عائشة رضي الله عنها: من استعمل على الموسم العام؟ قالوا: ابن عباس، قالت: هو أعلم الناس بالحج. وقال ابن أبي نجيح: كان أصحاب ابن عباس يقولون: إن ابن عباس أعلم من عمر وعلي وعبد الله، فيعيب الناس عليهم، فيقولون: لا تعجلوا علينا، إنه لم يكن أحد من هؤلاء إلا عنده من العلم ما ليس عند صاحبه وإن ابن عباس قد جمعه كله

ألقاب عبد الله بن عباس:
لقب اصحابي الجليل بالعديد من الألقاب التي اشتهر بها يقول ابن عمر: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.. وكان عطاء إذا حدث عنه قال: حدثني البحر. وكان يقال له: حبر العرب. ويقال: إن الّذي لقبه بذلك جرجير ملك المغرب، وكان قد غزا مع عبد اللَّه بن أبي سرح إفريقية، فتكلم مع جرجير فقال له: ما ينبغي إلا أن تكون حبر العرب. وعن الزهري، قال: قال المهاجرون لعمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذاكم فتى الكهول، له لسان سئول، وقلب عقول.
وبلغ من اجتهاده في طلب العلم أنه قال لما قبض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم قلت لرجل من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم، فإنّهم اليوم كثير. قال [فقال]: واعجبًا لك! أترى الناس يفتقرون إليك؟ قال: فترك ذلك وأقبلت أسأل، فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسّد ردائي على بابه تسفي الريح على من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول اللَّه، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقّ أن آتيك، فأسأله عن الحديث. فعاش الرجل الأنصاريّ حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني. فقال: هذا الفتى كان أعقل مني.
طلاب عبدالله بن عباس :
كان للصحابي الجليل طلاب كثيرون يلازمونه ويأخذون عنه العلم فقد أخذ الفقه وهؤلاء الطلاب ذاع صيتهم حتى صاروا مضرب المثل في العلم والزهد ومنهم: عطاء بن أبي رباح وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير.
وفاة عبد اله بن عباس:
مات بالطائف سنة ثمان وستين، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، قال الواقدي: مات وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.