كل إنسان يبحث عن السعادة في دنياه ويتعب ويكد ويعيش في كبد من أجل هذا الهدف، وقد يصل إليه وقد لا يصل.. قد يجد السعادة في أشياء بسيطة بمتناول يده ،وقد يواصل الطريق يتعب ويشقى وقد يحقق المكاسب المادية ويربح الأموال الطائلة ولكن لا يجني الشقاء وتضيق عليه نفسه وكانه يتنفس من خرم إبره.
الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي يقص علينا موقفين ولو شئنا الدقة أكثر نقول "عزومتين" أو مائدتين ومن تفاصيل وأحداث والحوار في كل منهما نعرف من أدرك طريق الوصول إلى السعادة وجنة الأرض ، وتعرف من ضل الطريق إليهما رغم ما يبدو في الظاهر من أنه يعيش في ترف ونعيم ولا ينقصه شىء
ويقول الشيخ: وجدتُ نفسي أتبعه إلى بيته الذي لا أعرف مكانه، ولا أعرف ظرفه في هذا الوقت الحرج من موعد الإفطار . يقول : وصلنا إلى بيته، فإذا هو غرفةٌ ومطبخٌ وفناءٌ صغير مكشوفٌ على سطحٍ اشتراه من أصحابه، وله مدخلٌ ودرجٌ خاص من الخشب لا يحتمل صعود شخصين، فخشباته تستغيثُ من وهَنٍ خلَّفَهُ بها الفقر والقِدَم .
ويتابع الشيخ الشعراوي قائلًا: كانت السعادة تملأ قلب الرجل، وعبارات الشكر والإمتنان تتدفّق من شفتيه وهو يقول :هذا البيت ملكي (والملك لله) لا أحد في الدنيا له عندي قرش ،اانظر يا سيدي، الشمس تشرق على غرفتي الصبح، وتغرُب من الجهة الثانية وهنا أقرأ القرآن عند الفجر وقبل المغيب.
ومضى الرجل يقول: والله يا سيدي كأني أسكن في الجنّة ، يتابع الشيخ : كل هذا يجري على مسامعي وأنا أصعد على الدرج بحذر، وصلنا الغرفة وذهب الرجل إلى زوجته، وسمعته يقول لزوجته بصوت خافت: جهزي الفطور الشيخ سيفطر عندي اليوم وصوت زوجته تقول له : والله، ما عندنا غير فول، ولم يبق على آذان المغرب إلاّ نصف ساعة، ولا شيء عندنا نطبخه . يقول الشيخ : سمعت هذا الحوار كله، فلما جاء صاحب الدار قلت له : يا أخي، لي عندك شرط؟.
أنا أفطر مع أذان المغرب على ماء ومعي التمر، ولا آكل إلا بعد نصف ساعة من الأذان، بعد ما أهضم التمر والماء، وأصلّي وأُنهي وِرْدي اليومي، ولا آكل إلا فول مدمّس وبطاطس.
فقال الرجل : أمرك ، الإمام الشعراوي يقول: لقد اخترت البطاطس لأنها زادُ الفقراء، وأحسبها عندهم .. وقد خرجتُ وكلّي سعادةٌ وبهجة، وقد أحببتُ الدنيا من لسان هذا الرجل الذي ما نزلت من فمه عباراتُ الثناء والحمد على نِعم الله وعلى هذا البيت الذي ملّكَهُ الله إيّاه، وهذه الحياة الجميلة التي يتغنّى بها .
يقول الشيخ الشعراوي :من باب المنزل، إلى باب سيارتي، سوَّد هذا الرجل الدنيا في عيوني، وأطبق عليَّ صدري وأنفاسي . فنظرتُ إلى السماء بعد أن ركبتُ بسيّارتي وأنا أقول في قلبي : ( الحمد لله على نعمةِ الرضا )
فليست السعادةُ بكثيرٍ ندفع ثمنه ،ولكن السعادةُ حُسنُ صِلَةٍ بالله ورضىً بما قسم لنا عزّ وجل . . رحم الله إمامنا وشيخنا محمد متولى الشعراوى.
اقرأ أيضا:
وصايا الحكام لولاتهم.. ممن حذر عمر بن الخطاب؟اقرأ أيضا:
قبل أن تسخروا من "ابن أمه".. هؤلاء العظماء ربتهم أمهاتهم