الأزمات "حالة"، من حالات الحياة الدنيا، طارئة، قد تطول وقد تقصر، وهي ككل أحوال الدنيا تخضع للمشيئة الإلهية،ووفق حكمة خاصة لا نعلمها. ومع الأزمات، كأزمة "كورونا"التى يعيشها العالم الآن، تبدو مهاراتلازمة، للتعامل بشكل صحي مع الوضع الطارئ، نذكر منها أهمها كالتالى:
أولًا: الطمأنينة إذ لابد من التحلي بالثبات وعدم الاهتزاز، وتسكين النفس من الجزع، والأعصاب من الانفلات..وإلا فسيكون الانهيار هو البديل، وتفاقم المشكلات هو النتيجة، وهذه الطمأنينة نستمدها من عدة أمور: معرفية، ونفسية، ومهارية..منها: – اليقين بأن الكون كله واقع تحت مشيئة الله سبحانه، لا شيء يندّ عن سلطانه. – تجديد الصلة بالله تعالى، واستشعار معنى الركون إلى جنابه وهو سبحانه الغني القادر الحافظ الرحمن الرحيم. – الأخذ بالأسباب الصحيحة، والصبر عليها،وعدم تعجل النتائج. – كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى؛ففي الدعاء سكينة وطمأنينة، كما أنه من الأسباب التي ندافع بها القدر. – الابتعاد عما يزيد من التوتر والقلق. فهذه الأمور، وغيرها، تستنزل السكينة على النفس، والطمأنينة على القلب.. وبالتالي، يستطيع الإنسان أن يفكر في الأزمة تفكيرًا صحيحًا، وأن يتعامل معها بما يؤدي إلى تجاوزها وليس إلى تفاقمها. وهنا، نذكّر بدور العبادات- من الصلاة، والأذكار، ولزوم الاستغفار-في تسكين النفس والقلب، وطمأنة الخواطر؛ فهو سبحانه القائل: {الَّذِينَ آمَنُواوَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّالْقُلُوبُ} (الرعد: 28).. وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر أنيفزع للصلاة.. بجانب فعل الصالحات، من مساعدة الآخرين والتخفيف عنهم؛ فصَنائِعُالمعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، كما جاء في السنة.
ثانيًا: الأخذ بالأسباب فالعاقل يدرك أن البكاء على اللبن المسكوب لا يليق، وأنالمصيبة قد وقعت بالفعل، وأن ما يجب عمله هو التفكير الجدي في تجاوزها، والبحث عنخطوات عملية ممكنة للبدء بها. ننظر ما يمكن فعله، ونكل الأمر أولًا وآخرًا إلى الله تعالى، ولانحمِّل أنفسنا ما لا نطيق؛ فتنهار أعصابنا، وتتراكم علينا النتائج السلبية،ونُفلِت من بين أيدينا ما يمكن إنقاذه! فالأخذ بالأسباب لا يعني الفرار من قدر الله، كما أن الركون إلىقدر الله لا يعني إهمال السبب.
ثالثًا: المرونة فالأزمات حدث عارض، أي خلاف الحالة التي كان عليها الإنسان، ولذا فهي تحتاج إلى مرونة في التعامل معها، وإلى عدم الجمود على وسائل معينة قد أَلِفَها الإنسان في حياته العادية قبل حدوث الأزمة. فالمرونة- أي عدم الجمود على المألوف- هي السبيل للابتكار، والتعامل مع الموقف الجديد بما يناسبه وليس بما اعتاده المرء.
وفي الأزمات الاقتصادية، أو الأوبئة التي لها آثار اقتصادية، قديفقد المرء وظيفته، أو تعود وظيفته غير ذات جدوى، أو غير مناسبة لتغطية التكاليفالتي تستتبعها الأزمة، فعليه- حينئذ- أن يتحلى بالمرونة ولا يحصر نفسه في العمل الذي ألفه وأجاده؛ فيتعلم مهنة جديدة، أو يضيف عملاً إلى عمله الأساسي، وهكذا. لكن إذا جمد المرء على عمله الذي ألفه، فإنه قد لا يستطيع مواجهة الأعباء الإضافية التي أحدثتها الأزمة، وهنا، علينا أن نتحلى بالتواضع واللين وعدم الاعتداد الزائد بالشخصية، هذا الاعتدادا لذي يجعل الإنسان يأنف من أعمال لا مفر منها بسبب الأزمة، فما دام العمل مشروعًا، فلا عيب فيه، وإن كان لايناسب المرء في الحالة العادية، لأن الأزمات،تفرض طبائعها وشروطها، وعلينا أن نتكيف معها، لأن من الصعب أن نكيف الأزمةَ معنا.
رابعًا: استشراف المآل فعلى الإنسان أن يمدّ بصره خارج حدود الأزمة ونطاقها الزمني،ليتدبر في مآلها ومستقبلها، ويقلّب الفكر في تطوراتها واحتمالاتها. فإمعان النظر في ذلك، يمكن من استخدام الأدوات التي تخفف من تفاقم الأخطار وزيادة الأضرار، بل ربما استطاع المرء أن يستبق الأزمة بخطوة فيقدر على تلافي آثارها الضارة، ويحوّل المحنة إلى منحة. والمسلم مطالب بالنظر للمآل، حتى في أداء الأوامر والتوجيهات،فهو لا يتحرك في فراغ، وإنما وسط ظروف وأجواء ينبغي عدم تجاهلها.