كان أبو سعيد الحسن البصري نموذجا فريدا في الوعظ، مقدما على جميع علماء عصره وغيرهم من التابعين، حيث خضعوا له في هذا الأمر، وصار نموذجا يحتذى به.
ومن عجيب ما حكوه عنه أنهم دخلوا عليه فقالوا : يا أبا سعيد: ألا يعجبك ما فعل محمد بن الأهتم – أحد معاصريه؟ فقال: ماله؟
فقلنا: دخلنا عليه وهو في سكرات الموت فقال: انظروا إلى ذاك الصندوق - وأومأ إلى صندوق في جانب بيته -.
فقال: هذا الصندوق فيه ثمانون ألف دينار - أو قال: درهم - لم أؤد منها زكاة، ولم أصل منها رحما، ولم يأكل منها محتاج .
فقلنا: فلمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزمان، ومكاثرة الأقران، وجفوة السلطان.
فقال الحسن البصري: انظروا من أين أتاه شيطانه فخوفه روعة زمانه، ومكاثرة أقرانه، وجفوة سلطانه؟
اقرأ أيضا:
عريس الجنة.. صحابي فضل الشهادة على ليلة زفافه فتسابقت عليه حور العين ثم قال: أيها الوارث: لا تخدعن كما خدع صويحبك بالأمس، جاءك هذا المال لم تتعب لك فيه يمين، ولم يعرق لك فيه جبين، جاءك ممن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، من حق منعه.
وأضاف الحسن: إن يوم القيامة لذو حسرات، الرجل يجمع المال ثم يموت ويدعه لغيره فيرزقه الله فيه الصلاح والإنفاق في وجوه البر، فيجد ماله في ميزان غيره.
ومن جميل مواعظ الحسن : يا ابن آدم.. إنك ناظر غدا إلى عملك يوزن خيره وشره، فلا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه، فإنك إذا رأيته غدا في ميزانك سرك مكانه.
وقال: ذهبت الدنيا وبقيت أعمالكم قلائد في أعناقكم وقال: ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا.
وقال الحسن: تجد الرجل قد لبس الأحمر والأبيض وقال: هلموا فانظروا إليّ، قال الحسن: قد رأيناك يا أفسق الفاسقين فلا أهلا بك ولا سهلا، فأما أهل الدنيا فقد اكتسبوا بنظرهم إليك مزيد حرص على دنياهم، وجرأة على شهوات الغنى في بطونهم وظهورهم، وأما أهل الآخرة فقد كرهوك ومقتوك.
وكان يقول: إنهم وإن تزينت دوابهم بهم، وزفرت بهم البغال، ووطئت أعقابهم الرجال، إن ذل المعاصي لا يفارق رقابهم، يأبى الله إلا أن يذل من عصاه.
وكان الحسن يتمثل بهذا البيت في أول النهار يقول:
وما الدنيا بباقية لحي ** ولا حي على الدنيا بباقولد الحسن رحمه الله في خلافة عمر بن الخطاب وأتي به إليه فدعا له وحنّكه، ومات بالبصرة في سنة عشر ومائة من الهجرة.