يقول أحد
العبّاد : لقيت رجلا من العبّاد في بعض الجزائر منفردا فقلت: يا أخي ما تصنع ها هنا وحدك؟ أما تستوحش؟
قال: الوحشة في غير هذا الموضع أعم، قلت: مذ كم أنت ها هنا؟ قال: منذ ثلاثون سنة.
اقرأ أيضا:
عريس الجنة.. صحابي فضل الشهادة على ليلة زفافه فتسابقت عليه حور العين قلت: فمن أين المطعم؟ قال: من عند المنعم. قلت: فها هنا في القرب منك شيء تعول عليه إذا احتجت إليه من المطعم رجعت إليه.
ثم قلت له: أخبرني بأمرك. قال: ما لي أمر غير ما ترى، غير أني أظل في هذا الليل والنهار متكلا على كرم من لا تأخذه سنة ولا نوم.
قال: ثم صاح صيحة أفزعني فوثبت وسقط مغشيا عليه، فتركته على تلك الحال ومضيت.
وحكى أيضا أن أحد العباد قال : ركبنا في مركب فطرحتنا الريح إلى جزيرة، فإذا فيها رجل يعبد صنما، فقلنا له: من تعبد؟ فأومأ إلى الصنم.
فقلنا: إن معنا في المركب من يسوي مثل هذا، ليس هذا بإله يعبد. قال: فأنتم لمن تعبدون؟ قلنا: الله عز وجل قال: وما الله؟ قلنا: الذي في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي الأحياء والأموات قضاؤه.
فقال: كيف علمتم به؟ قلنا: وجه هذا الملك إلينا رسولا كريما فأخبرنا بذلك. قال: فما فعل الرسول؟ قلنا: لما أدى الرسالة قبضه الله. قال: فما ترك عندكم علامة؟ قلنا: بلى ترك عندنا كتاب الملك. قال: أروني كتاب الملك، فينبغي أن تكون كتب الملوك حسانا. فأتيناه بالمصحف فقال: ما أعرف هذا.
فقرأنا عليه سورة من القرآن فلم نزل نقرأ ويبكي حتى ختمنا السورة.
فقال: ينبغي لصاحب هذا الكلام أن لا يعصى، ثم أسلم وحملناه معنا وعلمناه شرائع الإسلام وسورا من القرآن.
فلما جنّ علينا الليل وصلينا العشاء أخذنا مضاجعنا، فقال لنا: يا قوم هذا الإله الذي دللتموني عليه إذا جن عليه الليل ينام؟ قلنا: لا يا عبد الله، هو عظيم قيوم لا ينام.
قال: بئس العبيد أنتم، تنامون ومولاكم لا ينام، فأعجبنا كلامه.
فلما قدمنا بلدة عبّادان قلت لأصحابي: هذا قريب عهد بالإسلام فجمعنا له دراهم وأعطيناه.
فقال: ما هذه؟قلنا: تنفقها، قال لا إله إلا الله، دللتموني على طريق ما سلكتموها، أنا كنت في جزائر البحر أعبد صنما من دونه ولم يضيعني - يضيعني وأنا أعرفه.
فلما كان بعد أيام قيل لي: إنه في الموت، فأتيته فقلت: هل من حاجة؟ فقال: قضى حوائجي من جاء بكم إلى جزيرتي.
يقول رفيقه: فحملتني عيني فنمت عنده، فرأيت مقابر عبّادان روضة وفيها قبة وفي القبة سرير عليه جارية لم نر أحسن منها. فقالت: سألتك بالله إلا ما عجلت به فقد اشتد شوقي إليه، فانتبهت فإذا به قد فارق الدنيا فغسلته وكفنته وواريته.
فلما جن الليل نمت فرأيته في القبة مع الجارية وهو يقرأ: " والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار".