طاف العبد
ذو النون المصري كسياحة في العبادة والمعرفة الكثير من البلدان، لذا رويت وحكيت عنه الكثير من الحكايات التي رواها كمشاهدة عمن التقاه في سياحته ورحلته في العبادة والمعرفة.
قال ذو النون: بينما أنا أسير على ساحل البحر إذ بصرت بجارية عليها أطمار شعر وإذا هي ذابلة ناحلة، فدنوت منها لأسمع ما تقول، فرأيتها متصلة الأحزان بالأشجان، وعصفت الرياح فاضطربت المواج فصرخت، ثم سقطت إلى الأرض.
فلما أفاقت نحبت ثم قالت: يا سيدي بك تفرد المتفردون في الخلوات، ولعظمتك سبحت الحيتان في البحار الزاخرات، ولجلال قدسك اصطفقت الأمواج المتلاطمات، أنت الذي سجد لك سواد الليل وضوء النهار والفلك الدوار، والبحر الزخار، والقمر النوار، وكل شيء عندك بمقدار.
يا مؤنس الأبرار في خلوتهم .. يا خير من حطت به النزال
فقلت: زيدينا من هذا، فقالت: إليك عني، ثم رفعت طرفها نحو السماء وقالت:
أحبك حبين حب الوداد .. وحب لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الوداد .. فحب شغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهل له .. فكشفك للحجب حتى أراكا
فما الحمد في ذا ولا ذاك لي .. ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
ثم شهقت شهقة فإذا هي قد فارقت الدنيا.
ظهار أخبار متعلقة
يقول ذو النون: فبقيت أتعجب مما رأيت منها فإذا أنا بنسوة قد أقبلن عليهن مدارع الشعر فاحتملنها فغيبنها عني فغسلنها ثم أقبلن بها في أكفانها فقلن لي: تقدم فصل عليها، فتقدمت فصليت عليها وهن خلفي ثم احتملنها ومضين.
وحكى أيضا : بينما أنا أسير على شاطئ النيل إذا أنا بجارية تدعو وتقول: يا من هو عند ألسن الناطقين، ويا من هو عند قلوب الذاكرين، ويا من هو عند فكر الجامدين، قد علمت ما كان مني يا أمل المؤملين، ثم صرخت وخرت مغشيا عليها.
ومن غريب الحكايات أن أحد العبّاد يقول: خرجت من مصر وأنا على ساحل البحر، فرأيت امرأة خرجت من برية.
فقلت: إلى أين يا أمة الله؟ قالت: إلى صومعة ها هنا لي فيها ابن، فمشيت معها فسمعت صوتا من صومعة يقول:
ومشتاق وليس له قرار .. نفور ليس يملكه العذار
ومؤنس قلبه ليل طويل ...يلذ به ويوحشه النهار
قضى وطرا به فأفاد علما .. فنهمته التعبد والفرار
ألا صبرا على دنياك صبرا .. فكل أمورها فيها اعتبار
فقلت لها: منذ كم صار ابنك ها هنا؟ قالت: منذ وهبته منه وقبله مني.