عادةً ما تؤدي الإصابة بفيروس كوفيد-19 أو الإنفلونزا، أو أي فيروس تنفسي آخر إلى أعراض مزعجة لكنها مؤقتة، لكن بالنسبة لبعض المتعافيات من السرطان- وبخاصة النساء في مرحلة شفاء من سرطان الثدي- قد تكون هذه الفيروسات أكثر رعبًا.
وأظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة "نيتشر"، أن العدوى الفيروسية غير الضارة قد تزيد من خطر عودة سرطان الثدي. وتوصلت النتائج إلى أن البكتيريا التنفسية يمكن أن تعيد تنشيط خلايا سرطان الثدي التي استقرت في رئتي الفئران وأصبحت خاملة.
وتأكدت هذه النتائج من خلال دراسة ثانية أجراها الباحثون أنفسهم، شملت آلاف الناجيات من سرطان الثدي، اللواتي سُجِّلت بياناتهن في قاعدة بيانات طبية أمريكية. شُخِّصت هؤلاء النساء بسرطان الثدي قبل خمس سنوات على الأقل، وبالتالي كنّ في حالة شفاء شبه مؤكد.
وبينت النتائج أن النساء اللواتي أصبن بفيروس كوفيد-19 في عام 2020 (قبل توفر اللقاحات) كن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي النقيلي (السرطان المنتشر) في الرئة بنسبة 50 في المائة تقريبًا، مقارنة بالنساء اللواتي جاءت نتائج اختباراتهن سلبية للفيروس.
كما نظر الباحثون إلى بيانات من الناجين من السرطان بشكل عام، ووجدوا أن أولئك الذين أصيبوا بكوفيد لديهم خطر مضاعف تقريبًا للوفاة من السرطان - وكان الخطر "أكبر في الأشهر التي تلت الإصابة"، وفقًا للبروفيسور جيمس دي جريجوري، أستاذ الكيمياء الحيوية والوراثة الجزيئية في كلية الطب بجامعة كولورادو، الذي قاد الدراسة.
ويشير الخبراء إلى أن النتائج تسلط الضوء على أهمية التطعيمات المنتظمة ضد كوفيد والإنفلونزا للمتعافيات من سرطان الثدي.
ويقول البروفيسور دي جريجوري: "إن الخلايا السرطانية الخاملة تشبه الجمر في نار المخيم - والفيروسات التنفسية هي الريح التي يمكن أن تعيد إشعالها".
وأضاف أن الاختبارات التي أجريت على الحيوانات أظهرت أنه بعد الإصابة بفيروس كوفيد أو الإنفلونزا، كانت هناك زيادة بمقدار 100 ضعف في مستويات خلايا سرطان الثدي الخاملة سابقًا والتي استقرت في الرئتين".
وتابع: "يمكن لخلايا سرطان الثدي أن تبقى في الرئتين بأعداد قليلة جدًا وفي حالة سكون تقريبًا. تشير بياناتنا إلى أنه إذا كنتِ مريضة سرطان ولديها هذه الخلايا الخاملة، فقد تعيشين حياة طبيعية تمامًا، وتموتين دون أن تستيقظ أبدًا".
واستدرك محذرًا: "ولكن إذا أصبت بفيروس تنفسي مثل الأنفلونزا أو كوفيد-19، فإن فرصة استيقاظ هذه الخلايا تكون أكبر بكثير - وبالتالي تزيد فرصة الوفاة بسببها".
وأشار إلى أن "واحدة من كل خمس نساء مصابات بسرطان الثدي، ويتلقين علاجًا ناجحًا، تُصاب بأورام ثانوية في أجزاء أخرى من الجسم، أحيانًا بعد عقود. وتميل هذه الأورام إلى أن تكون أكثر عدوانية وأقل استجابة للعلاجات".
ولا يعرف السبب حول لماذا يحدث هذا لبعض النساء دون غيرهن. لكن الأمر يرتبط بانتقال خلايا سرطانية صغيرة نائمة من الورم الأصلي واستقرارها في مناطق مثل نخاع العظم والرئتين، غالبًا في مرحلة مبكرة جدًا من تطور المرض. بالنسبة للعديد من النساء، تبقى هذه الخلايا ساكنة ولا تنشط مجددًا.
لكن بالنسبة للبعض، فإن هناك محفزًا يدفعه إلى الاستيقاظ من جديد، مما يؤدي إلى ظهور أورام جديدة.
وقال البروفيسور كفاح مقبل، استشاري جراحة الثدي ورئيس برنامج سرطان الثدي المتعدد التخصصات في معهد لندن للثدي، إن الدراسة تدعم النتائج السابقة التي تفيد بأن الالتهاب المنتشر - مثل الذي تسببه عدوى فيروسية - في الجسم يمكن أن يعيد تنشيط الخلايا السرطانية.
وفي الوقت نفسه، يمكن للعدوى الفيروسية أن تعطل جهاز المناعة، مما يجعل الخلايا التي من المفترض أن تحمي الجسم ضد السرطان أقل فعالية، وتقمع نشاط الخلايا المناعية الأخرى التي من شأنها عادة أن تهاجم السرطان وتدمره.
وأضاف البروفيسور مقبل: "هذا يُهيئ بيئةً خصبةً لنمو الخلايا السرطانية الخاملة وتحويلها إلى نقائل". وتابع: "يجب أن نتوخى الحذر، لكن البيانات تُشير بقوة إلى أن العدوى الفيروسية قد تُؤثر على عودة السرطان وانتشاره".
لكن داني إدموندز، مدير معلومات الأبحاث في مؤسسة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، يقول إنه لا ينبغي القلق بشكل مفرط من أن نوبة من الإنفلونزا أو كوفيد قد تؤدي إلى عودة السرطان.
وأضاف إن "البيانات الحالية من هذه الدراسة ليست كافية لإثبات أن كوفيد-19 كان سببًا لسرطان النقيلي لدى البشر. على سبيل المثال، التفاصيل الرئيسية حول رعاية مرضى السرطان المقدمة للمرضى أثناء الوباء مفقودة من مجموعات البيانات البشرية".
وشدد على أن "هذا مهم لأن الجائحة تسببت في اضطراب واسع النطاق في خدمات علاج السرطان، من الفحص إلى العلاج. ولم يأخذ الباحثون هذا في الاعتبار".
وأضاف داني إدموندز: "لا ينبغي مقارنة النتائج المأخوذة من عينات الفئران والبشر بشكل مباشر. وبينما تمكن الباحثون من تحديد آلية يمكن من خلالها للعدوى التنفسية أن تزيد من انتشار سرطان الثدي في رئتي الفئران، فإنهم لا يقدمون أي دليل على أن هذا ينطبق على البشر".
ويقوم الباحثون الذين شاركوا في الدراسة حاليًا بدراسة ما إذا كانت التهابات الجهاز التنفسي قد تكون مرتبطة أيضًا بزيادة معدلات تكرار الإصابة بأنواع أخرى من السرطان وما هو التأثير الذي قد تحدثه التطعيمات ضد الإنفلونزا أو كوفيد.