في وقفاتنا مع النفس، ومحاسبتها، والإعلان عن توبتها، ربما نجد في طريق الهداية والإنابة إلى الله تعالى، شياطين الإنس الذين وإن عرفوا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده، إلا أنهم لا يقبلون توبتنا أبدًا، ويذكروننا بذنوبنا، وكأنهم يريدون أن نرجع إليها، فلا تجد أحدهم وهو يراك تستغفر ربك عما اقترفته يدك، إلا وتراه سيفًا مسلطًا على رقبتك، يعلن أنه لا توبة لك، ويسخر من توبتك، ويجعلها مادة سخريته منك لطالما رآك في أي مناسبة ومع أي جمع من الناس.
ولعل ما يفعله شياطين الإنس مع التائبين والسخرية منهم غير مكترثين بما قاله ربنا عز وجل بأن الله يغفر الذنوب جميعا ما لم يشرك به، لها من الفساد والأثار السلبية ما يقع على عاتق هذا التائب، من فضح له وتشهير به وليس من الخلق أن نذكره بماضيه بل أمر الشرع بالستر عليه وعدم التحدث بزلاته الماضية وكتمان عيوبه السابقة قال صلى الله عليه وسلم (من ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة) وقال صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)؛ قال ابن حجر رحمه الله تعالى: والذي يظهر أن الستر محله في معصية قد انقضت والانكار في معصية قد حصل التلبس بها.
فليس هناك أمام هذا التائب إلا أن يجتنب هذا الفاضح له، حتى وإن كان أخ له، ليستر نفسه، ولا يقع فريسة في شرك هذا الشيطان، قال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى:" فإذا كان المرء يؤجر في الستر على غيره فستره على نفسه كذلك أو أفضل".
الستر أولى
وقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألَمَ بشيءٍ منها فليستتر بستر الله و ليتب إلى الله فإنه من يُبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله).
وانظر إلى قصة الصحابي المعروف والجليل ماعز الأسلمي رضي الله عنه أنه لما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن هزال الأسلمي هو الذي أشار على ماعز أن يعترف ويقر أمام النبي صلى الله عليه وسلم بخطيئته دعاه صلى الله عليه وسلم ثم قال له: "يا هزال لو سترته بردائك كان خيرًا لك".
ولما جاءه أحد الصحابة تائبًا من ذنب اقترفه لم يستفسر منه صلى الله عليه وسلم فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقمه عليَّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي صلى اللهُ عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قام إليه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدا، فأقم فيَّ كتاب الله، قال: (أليس قد صليت معنا). قال: نعم، قال: (فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك).
وأنه خلاف فعل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين فكثيرًا من الأحاديث تأتي لفظة جاء رجل أو جاء شاب أو قال رجل وغيرها من الألفاظ التي يذكرون فيها القصة دون الإشارة لصاحبها وكل ذلك من أجل ستر ما يعيب المسلم، فكيف بإحضاره أمام الملأ لتفضح عورته وتذكره بماضيه إن كان عاصيا، وتجعلها مادة للسخرة منكلا بأخيك ومتعمداا لفضيحته.
اقرأ أيضا:
الفرق بين الكرم والسفه.. بطون المحتاجين أولىالجهر بالمعصية
فهذا الشيطان هو مجاهر بمعصيته وبمعصية الغير، ومن هتك ستر مسلم هتك الله ستره يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (كل أُمتي معافًى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره اللَّه، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر اللَّه عنه).
وهذا أيضا من الجهر بالسوء والله عز وجل لا يحب الجهر بالسوء، بل ربما جرأ بعض سفهاء الأحلام للوقوع في المعصية؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 148].
وكان الأولى بالمسلم أن يستر أخاه المسلم، وأن يكون عونا له على التوبة، وأن يفرح بقربه من الله ويساعد على الاستمرار في توبة أخيه لا أن يفضحه.