يُعد إطعام الطعام من أجلِّ الأعمال وأعظم القربات في الإسلام، إذ يجمع بين عبادة الله تعالى بالإحسان إلى الخلق، وترسيخ معاني التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع. وقد جاءت النصوص الشرعية تحث على هذه الشعيرة الاجتماعية النبيلة، لما فيها من الأجر العظيم، وإدخال السرور على القلوب، ودعم المحتاجين والفقراء.
مفهوم إطعام الطعام
إطعام الطعام يشمل كل صور تقديم الغذاء لغير القادرين أو المحتاجين، سواء كانوا فقراء أو أيتامًا أو مساكين أو عابري سبيل أو حتى الجيران والأقارب، فهو باب واسع من أبواب الخير لا يختص بفئة دون أخرى، بل هو سبيل للتقرب إلى الله تعالى وإعمار الأرض بالمحبة والتكافل.
إطعام الطعام في القرآن الكريم
جاءت آيات القرآن الكريم مؤكدة مكانة هذه العبادة، قال تعالى في وصف الأبرار: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾
(الإنسان: 8-9)
كما جعل القرآن إطعام الطعام من أسباب النجاة من النار، فقال سبحانه: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾
(البلد: 11–14)
إطعام الطعام في السنة النبوية
حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على هذه العبادة في أحاديث كثيرة، منها:
قال صلى الله عليه وسلم: «أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» (رواه الترمذي)
وقال صلى الله عليه وسلم: «أي الإسلام خير؟ قال: تُطْعِمُ الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» (متفق عليه)
وقال صلى الله عليه وسلم:
«من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» (رواه مسلم)
أهداف إطعام الطعام وأثره على الفرد والمجتمع
1. تحقيق رضا الله ونيل الأجر العظيم
فهو من الأعمال التي يحبها الله ويضاعف أجرها.
2. تعزيز روح التكافل الاجتماعي
يساعد على نشر روح المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع.
3. علاج الفقر والجوع
يسهم في سد حاجة المحتاجين وتقليل معاناة الفقراء.
4. تحقيق الاستقرار المجتمعي
المجتمعات المتعاونة أكثر أمنًا وتماسكًا.
5. تهذيب النفس وتطهيرها من الشح والبخل
فالإنفاق على الآخرين يربي النفس على الكرم والإحسان.
صور عملية لإطعام الطعام
توزيع الوجبات على الفقراء والمساكين.
المساهمة في موائد الرحمن خلال رمضان.
تقديم الطعام للجيران والأقارب.
دعم الجمعيات الخيرية وبنوك الطعام.
تجهيز طعام للمحتاجين في المناسبات والأعياد.
التصدق بالطعام عبر منصات الخير الموثوقة.
نماذج مشرقة من إطعام الطعام
كان الصحابة والسلف الصالح سباقين في هذا الخير، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه لا يأكل طعامًا إلا ومعه يتيم أو مسكين. كما كان الحسن البصري يقول: "أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن؛ بإشباع جوعته أو قضاء حاجته."
وأخيرا فإن إطعام الطعام ليس عملاً اجتماعيًا فحسب، بل هو عبادة ربانية تحمل في طياتها الرحمة والإنسانية، وتبني مجتمعًا قويًّا متماسكًا، وتزرع في القلوب بذور المحبة. فلنجعل هذه السنة الطيبة أسلوب حياة، ونسعى إلى تطبيقها كلٌّ بحسب طاقته، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
> قال تعالى:
﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾