بقلم |
فريق التحرير |
الجمعة 10 اكتوبر 2025 - 09:12 م
في زمنٍ تتزاحم فيه الأصوات، وتتسارع الأحداث، وتكثر الفتن والشبهات، تبرز الخلوة بالنفس كعبادةٍ راقية وسلوكٍ إيمانيٍّ رفيعٍ يطهِّر القلب، ويعيد للإنسان صفاءه، ويمنحه القدرة على التمييز بين الحق والباطل. ليست الخلوة انعزالًا سلبيًا عن الحياة، بل هي لحظة صدقٍ مع الذات ومحاسبةٍ للنفس بين يدي الله، تفتح للإنسان أبواب الهداية والبصيرة.
لقد حثّ الإسلام على تأمل الإنسان في نفسه وأحواله، فقال الله تعالى: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون" [الذاريات: 21]، كما قال سبحانه:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا الله" [الحشر: 18].
فالخلوة الحقة هي التي تدفع المؤمن للنظر في أعماله ومحاسبة ذاته قبل أن يُحاسَب يوم القيامة.
وفي زمن الشبهات، حيث اختلطت المفاهيم وكثرت الملهيات، يصبح تأديب النفس ومراجعتها ضرورةً لا رفاهية. فالنفس بطبعها أمّارة بالسوء إن تُركت بلا تهذيب ولا مراقبة، قال تعالى: "إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي" [يوسف: 53].
ومن هنا كانت الخلوة الصادقة سبيلًا لتزكيتها وتطهيرها من الأهواء والشهوات، فيعود القلب نقيًا متصلًا بخالقه.
وقد كان الأنبياء والصالحون يعتزلون الناس أحيانًا للتعبد والتفكر، كما كان النبي ﷺ يتحنث في غار حراء قبل البعثة، فيتأمل في الكون ويستعد لتلقي الوحي. ومن هنا نفهم أن الخلوة ليست انطواءً، بل إعداد للنفس للانطلاق في عمارة الأرض وصلاحها.
إن خلوة المسلم بنفسه اليوم، ولو لدقائق، تتيح له مراجعة سلوكه أمام الله، وإصلاح نيته، وتصفية قلبه من الغل والحسد، ومقاومة تأثير الإعلام والشبهات التي تغزو القلوب والعقول. ومن أهم ثمارها سلام النفس وطمأنينة القلب، قال تعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" [الرعد: 28].
وفي النهاية، تبقى الخلوة بالنفس مدرسةً تربويةً راقية، تُهذّب الفكر وتُقوّي الإرادة وتُعين المؤمن على الثبات على الحق في زمنٍ كثرت فيه المغريات وضاعت فيه البوصلة. فهي سلاح المؤمن في مواجهة ضجيج الدنيا، وطريقه إلى صفاء الروح والقرب من الله.