الخشوع هو روح الصلاة، فإذا فقد من الصلاة كانت مجرد حركات لا حياة فيها، وقد ربط الله ـ عز وجل ـ فلاح المؤمنين بخشوعهم في صلاتهم، فقال تعالى:: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ" فالخشوع، كما يقول ابن جزي،حالة في القلب من الخوف والمراقبة والتذلل لعظمة المولى جل جلاله، ثم يظهر أثر ذلك على الجوارح بالسكون، والإقبال على الصلاة، وعدم الالتفات والبكاء والتضرع... والصواب أنه أمر زائد على حضور القلب، فقد يحضر القلب ولا يخشع.
طريقة عملية للخشوع:
الحرص على تعمير الحياة بالطاعات، خاصة اللحظات التي تسبق الصلاة، فإن الإنسان إذا انتقل من طاعة إلى طاعة أعين على الخشوع، هذه نقطة أولى.
-الاستعداد للصلاة منذ وقت مبكر، بنوافلها، بتلاوة آيات قبلها، بالاستعداد لها، بالتشوق لها، كما قال عدي: (وما أذنَ المؤذن للصلاة – بعد أن أسلمتُ – إلا أعددتُ لها قبل ذلك وضوئها، وأنا لها بالأشواق) يعني أنتظرها بالأشواق.
والاستعداد للصلاة يكون بذكر الله تبارك وتعالى، ثم ترديد الأذان مع المؤذن، ثم بعد ذلك السعي لمكان الصلاة - ولو كان في البيت – بسكينة ووقار وهدوء وخشوع.
عليك أن تصلي في ملابس فضفاضة، ملابس نظيفة، في مكان هادئ، ليس فيه ما يشغل، ليس فيه ما يصرف عن الله تبارك وتعالى، من صور أو تماثيل، مكان معتدل البرودة، ليس بحار وليس ببارد، وعليك أن تأتي الصلاة وأنت لست جائعة ولست ظمئا، وأيضًا لست حاقبة أو حاقنة، لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان – أي البول أو الغائط - لأن هذه أمور تؤثر على خشوع الإنسان في صلاته.
-فإذا جاء وقت الصلاة فاستقبل القبلة، واستحضر هذا الموقف فأنت تقف بين يدي الله، (الواحد منا إذا وقف بين يدي أمير أو كبير أو سلطان أو وزير) يقف بأدب، فكيف إذا كان الوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى.
التفكر في ذات الله:
-استشعر عظمة الأمانة، فقد كان عليّ إذا جاء وقت الصلاة يتغير، فقيل له في ذلك – كلموه – قال: (أتتني الأمانة التي عُرضتْ على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها فأشفقن منها فحملتها، ولا أدري أمسيء فيها أم محسن) وكذلك كان يفعل سليمان الداراني، الذي قيل له: أتحدث نفسك في الصلاة؟ قال: (وهل شيء أحب إليَّ من الصلاة حتى أحدث نفسي فيها) هذا كلام جميل جدًّا أن يجعل الإنسان أحب شيء عنده
الصلاة. قالوا: إنا نحدث أنفسنا في الصلاة؟ قال: (أبجنة وبالنار والوقوف بين يدي الله؟) قالوا: لا، ولكن نحدث أنفسنا بأمور الدنيا، قال: (لأن تختلف عليَّ الرماح والأسنة أحبُّ إليَّ من أتحدث في الصلاة بغيرها) رحمة اللهِ عليهم.
فإذن أن يجعلها الإنسان قرة عينه، أن يحب الصلاة، يتهيب هذا الموقف، يستحضر عظمة من يقف بين يديه، يستحضر أنها ربما تكون الأخيرة، بعد ذلك يكبّر بتحقيق تكبير يستحضر فيه عظمة الله، فأنا أقول: (الله أكبر) يعني الدنيا حقيرة، يعني الأموال حقيرة، يعني الذهب، يعني الموضات، كل ما في الدنيا حقير.
-ابدأ بالاستفتاح، ويفضل في دعاء الاستفتاح أن تنوعي كل مرة دعاء وذكر، لأن الإنسان إذا حفظَ حفظًا آليًا أصبح الحفظ يمر دون أن يتدبر الإنسان.
-ثم تتعوذ بالله من الشيطان، واقرأ سورة الفاتحة بتؤدة واطمئنان.
تفكر في معاني الآيات:
- تفكر في معاني سورة الفاتحة؛ ففي الحديث فإنها صلاة: قسمت بين العبد وبين ربه، حتى قال ابن القيم: (يقول الحمد لله) يتذكر أن العظيم يقول: (حمدني عبدي)، (الحمد لله رب العالمين) : (مجدني عبدي) ، (أثنى عليَّ عبدي) إذن نستحضر هذا المعنى، ولذلك كانت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم – مدًّا، يقف عند رأس كل آية.
- اجتهد في استحضار معاني الصلاة، إذا كنت تسمع القراءة، وإذا كنت تصلي وحدك دائمًا اشغل نفسك بالقراءة.
-احرص على أن التفكر في مواقف الصلاة كلها، فإذا جلست للتشهد الأخير فهذه مثل يوم عرفة، يوقف فيها الإنسان بكل ما عنده، يدعو الله بما شاء، يتوجه إلى الله تبارك وتعالى، ثم تسلمي من الصلاة وقد وُفقت في هذا الخشوع.
الشيطان لكم عدو:
-اعلم أن
الشيطان يريد أن يمنعنا من الصلاة، فاجهده لأنه إذا عجز جعلنا ندخل الصلاة، فإذا دخلنا الصلاة جاءنا وقال: اذكر كذا واذكر كذا، حتى لا يدري الواحد منا كم صلى، فإذا وجدنا ذلك نعاقبه، واعلم أن أكثر ما يغيظ الشيطان السجود لله.
-اقرأ كثيرا عن أهمية الصلاة وانها معراج المؤمن.
-طالع سيرة الصحابة والتابعين في الخشوع في الصلاة؟
-اعلم أن ثوابك في الصلاة على قدر حضور قلبك فيها؛ فمنهم من يخرج من صلاته ولم يكتب له إلا عشرها فليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها.