الخلافات الزوجية أمر طبيعي حدث ويحدث في كل البيوت على مر العصور.
لكن...
أن يحدث في بيت النبوة فهو أمر يستحق التوقف !
فكيف للسيدة عائشة رضي الله عنها أن تختلف مع النبي صلى الله عليه وسلم بل ويبدو غضبها فى ارتفاع نبرة صوتها
لدرجة جعلت من والدها أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم بالدخول، يغضب غضبا شديدا بعدما سمع صوت ابنته عاليا .. وبعد أن أُذن له بالدخول هَمّ بلطمها(ضربها) .. وقال لها:"ألا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم "
الأمر الذي جعل الصديق رضي الله عنه لم يحتمل أن يقول لها(ياابنة ابي بكر)بل قال لها (يا ابنة أم رومان) في إشارة لغضبه منها واستنكاره لفعلتها .
..وقتها كان سيدنا أبو بكر يرى أن أطراف الشجار هم عائشة ابنته والنبي صلى الله عليه وسلم.
بينما كانت السيدة عائشة ترى أنها تتشاجر مع شريك حياتها وزوجها لا مع النبي صلى الله عليه وسلم ..لهذا غضبت وارتفع صوتها.
كان الصديق رضي الله عنه يوجه ضربات لابنته ، في حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يحاول أن يدافع عن زوجته وأن يحميها من ضربات والدها الذي مازال يرى أن ابنته تتشاجر مع نبي الأمة .
لكن لم يخل المشهد رغم هذا الشجار من الرحمة والمودة، بل ومن التلطف من قبل النبي الزوج الذي تحمل غضب زوجته.
ولم يغضب ولم يذكرها بأنها ترفع صوتها على النبي الذي لا ينطق عن الهوى.
فلم يتوقف ويريها مثلا خاتم النبوة في إشارة إلى زوجته ..(أفيقي).
لكنه برحمة وبهدي نبوي رائع أراد أن يعلم الأزواج بعض الدروس..
كأنه صلى الله عليه وسلم يعلمهم(تحمل زوجتك لبعض الوقت).
كأنه يقول صلى الله عليه وسلم بلغة العصر (دعها تفرغ شحنتها السلبية ولو بالصراخ).
فهذا الخلاف يلخص الكثير من المجلدات والكتب عن معنى "الاحتواء الزوجي".
كأنه يوضح أهمية فهم فطرة المرأة، وربما فهم بعض التقلبات المزاجية التي قد تمر بها الزوجة أو ما قد تمر به من ضغوطات يومية.
لتظهر ثمرة الاحتواء مباشرة...ففي وسط الشجار لم تجد السيدة عائشة مكانا أكثر أمانا من ظهر زوجها لتحتمي به من ضربات والدها.
لتأتي كلماته صلى الله عليه وسلم لسيدنا ابوبكر :"ما جئنا بك لهذا"
هنا نتساءل ..كيف سيكون شعور الزوجة بعد أن تهدأ ...عندما ترى من زوجها القبول والاحتواء رغم الخلاف؟
وماذا لو لم يكترث النبي لمشكلتها أو لضيقها ويترك لها مجالا لإخراجه؟.
أليس من تصرف السيدة عائشة - رغم انفعالها- تعبيرا عن حبها الجم لزوجها بالاختباء خلف ظهره الشريف ، في إشارة نفسية منها لزوجها :"أنت السند لي"
انصرف الصديق رضي الله عنه وهو غضبان .. ابتعدت السيدة عائشة عن زوجها التي كانت تحتمي به.. أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يلاطفها ..فذكرها قائلا:"كيف رأيتني أنقذتك من الرجُل؟"يعني لقد خلصتك من أبيك... فمنذ دقائق كنت تحتمين من والدك بي..وأنا الذي كنت أحميك من غضبه.
لتنتهي المشكلة..ويعود الصفاء لبيت النبي ..
هنا يقول سيدنا أبوبكر بعد أن عاد ولمس أنهما قد اصطلحا: "أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما"..فقال النبي :"قد فعلنا قد فعلنا" أي أدخلناك في صلحنا.
ولعل من المهم فهم أن ارتفاع صوت السيدة عائشة رضي الله عنها على النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني إطلاقا أنها تجرأت على مقام رسول الله، بل كانت تعظمه وتقدره، أنما كان غضبها بدافع الغيرة التي فطرت عليها النساء ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقابل هذا الضعف وهذه الفطرة التي جبلت عليها المرأة ، بحسن الخلق ولين الجانب والمعاشرة بالمعروف.
إن هذا الهدي النبوي يقول لكل زوج لا تترك زوجتك غاضبة.. أشعرها بأنك تحبها حتى ولو غضبت لبعض الوقت..لأن هذا سيسهم في أن تهدأ من روعها سريعا..فيستقيم البيت ويهدأ بدلا من أن يشتعل بنار غلظة القلب والعناد.
كأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأمته لا تترك الخلاف يطول..بل اطفئ هذا الشرر في مهده..فأنت قوام على زوجتك..اطفئه قبل أن تكتوي الأسرة جميعها بنار هذا الخلاف.
*باحثة وكاتبة مصرية