قَالَ: (أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) رواه أبو داود ( 2142 )، وابن ماجه (1850 )، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ". وإذا امتنع الزوج من الإنفاق على زوجته، كانت مخيرة بين أن تفارقه، وبين أن تصبر عليه . فإن اختارت أن تصبر عليه، فإنه لا يلزمها أن تمكنه من نفسها ليستمتع بها، بل لها أن تمنع نفسها منه، ولا تكون النفقة حينئذ دينا عليه، ولها أن تمكنه من نفسها وتكون النفقة دينا عليه.
قال الشيرازي رحمه الله في " المهذب في فقه الإمام الشافعي" (3 / 155): "وإن اختارت المقام بعد الإعسار، لم يلزمها التمكين من الاستمتاع، ولها أن تخرج من منزله؛ لأن التمكين في مقابلة النفقة، فلا يجب مع عدمها" انتهى .
وقال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (5/ 476): " (وإن أعسر الزوج بنفقتها) الواجبة (أو) أعسر الزوج (ببعضها) أي بعض النفقة .... (خيرت، على التراخي، بين الفسخ من غير انتظار) أي تأجيل ثلاثا، خلافا لابن البناء، (وبين المقام) معه على النكاح.
وهذا قول عمر وعلي وأبي هريرة. لقوله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229]، وليس الإمساك، مع ترك الإنفاق: إمساكا بمعروف، فتعين التسريح.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (امرأتك تقول: أطعمني؛ وإلا فارقني). رواه أحمد والدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح ورواه الشيخان من قول أبي هريرة.
وروى الشافعي وسعيد عن سفيان عن أبي الزناد، قال: سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟ قال يفرق بينهما. قال أبو الزناد لسعيد: سنة؟ قال سعيد: سنة.
ولأن هذا أولى بالفسخ من العجز بالوطء.
وكان على التراخي؛ لأنه كخيار العيب.
(و) إذا اختارت المقام، فلها (تمكينه، وتكون النفقة، أي: نفقة الفقير، والكسوة والمسكن دينا في ذمته ما لم تمنع نفسها)؛ لأن ذلك واجب على الزوج إذا رضيت بتأخير حقها، فهو في ذمته، كما لو رضيت بتأخير مهرها.
(ولها المقام) على النكاح، (ومنعه من نفسها؛ فلا يلزمها تمكينه، ولا الإقامة في منزله.
وعليه أن لا يحبسها، بل يدعها تكتسب، ولو كانت موسرة)؛ لأنه لم يسلم إليها عوضَ الاستمتاع.
(فإن اختارت المقام) ثم اختارت الفسخ فلها ذلك (أو رضيت بعسرته) ثم اختارت الفسخ فلها ذلك" انتهى.
وقوله: "وتكون النفقة، أي: نفقة الفقير": المراد به: أنه لا يحكم له عليه إلا بمقدار نفقة الفقير على زوجته، حتى لو كان ينفق عليه قبل عسرته أكثر من ذلك.
قال في "شرح المنتهى" (3/236): " ويسقط ما زاد عن نفقة معسر". انتهى.
وعلله ابن النجار في "معونة أولي النهى" (10/181) بقوله: "لأن ما زاد على نفقة فقير: تسقط بإعساره، ويمكنها الصبر عنها". انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " فإذا منع نفقتها، فهل يسقط حقه؟
نعم {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، فإذا كان الزوج يمنع زوجته من النفقة فلها أن تمنع نفسها منه" انتهى من "الشرح الممتع" (12/ 435).
وبان بهذا أن مستند جواز الامتناع عن الاستمتاع: أن التمكين في مقابل النفقة، أو أن النفقة هي عوض الاستمتاع، فلهذا لها المنع مع إعسار الزوج.
ولها المنع من باب أولى مع يساره وامتناعه من النفقة؛ عقوبة له.
ثانيا:
إذا امتنع الزوج من الإنفاق على زوجته، فلها الخروج للعمل دون إذنه، كما تقدم.
ثالثا:
أما طاعة الزوج فيما عدا ذلك، فإنها تلزم الزوجة؛ عملا بعموم النصوص في ذلك، فلا تسقط قوامة الرجل لكونه لا ينفق على زوجته..