الإنسانية لم تكن بحاجة إلى هدي القرآن الكريم وهدي الكتب المنزلة بمثل ما هي عليه اليوم
العلاقات بين الأمم تحولت من حوار حضاري إلى حروب وصراعات مسلحة
جيش الاحتلال يواجه بأسلحة الدمار الشامل شعبًا أعزل لا يدري ما القتل ولا القتال
ما يحدث تجاه شعب غزة البريء الأعزل "إبادة ومحرقة جماعية"
المؤسسات الدولية أصيبت بـ "عجز وشلل رباعي" أقعدها عن تنفيذ تعهداتها
أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الأحداث القاسية التي نعيشها صباح مساء، تثبت -دون أدنى ريب- أن الإنسانية لم تكن في عصر من عصورها بحاجة إلى هدي القرآن الكريم، وهدي أمثاله، من الكتب المنزلة- بمثل ما هي عليه اليوم، فقد أصبح واضحًا أن عالمنا المعاصر فقد القيادة الرشيدة الحكيمة، وراح يخبط خبطًا عشواءً، بلا عقل ولا حكمة ولا قانون دولي، وبات يندفع -بلا كوابح- نحو هاوية لا يعرف التاريخ لها مثيلا من قبل.
وقال الطيب خلال كلمته اليوم السبت في احتفالية ليلة القدر بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن الله تعالى وصف القرآن بأنه: «الكتابُ الحكيم»، وأنَّه: «الكتابُ المبين»، وأنَّه: «الحقُّ»، وأنَّه: «تبيانٌ لكلِّ شيء»، وأنَّه: «هُدًى ورحمة»، وأنَّه: «لا ريبَ فيه»، وأنَّه: الكتاب الذي: ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فُصِّلَتْ: 42]، أنزله الله «بالحقِّ والميزان ليَحكُمَ بين النَّاس»، إلى صفات أخرى كثيرة من صفات الجلال والجمال والكمال التي قدمت هذا الكتاب الكريم للناس، وأغرتهم بتلاوة ألفاظه وتدبر معانيه، وكيف لا! والمتكلم به هو الله -سبحانه وتعالى- ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النِّساء: 87]، ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً﴾، ومبلغه هو أفصح الناس وأبلغهم، وأعلمهم بمرامي كلامه، وأسرار فصاحته وبيانه..
وتحدث شيخ الأزهر عن عقود من علاقات الحوار الحضاري بين الأمم والشعوب، وقال إنه من المؤسف أننا استبدلنا بها -وعلى نحو متسارع غريب- علاقات الصدام والصراع، وسرعان ما تحول هذا الوضع البائس إلى علاقات صراع مسلح تطور أخيرًا إلى صورة بالغة الغرابة والشذوذ في تاريخ الحروب والصراعات المسلحة.. أبطال هذه الصورة قادة سياسيون وعسكريون، من ذوي القلوب الغليظة التي نزع الله الرحمة من جميع أقطارها، يقودون فيها جيشًا مدججًا بأحدث ما تقذف به مصانع أوروبا وأمريكا من أسلحة القتل والدمار الشامل، ويواجهون به شعبًا مدنيًّا أعزل، لا يدري ما القتل ولا القتال، وليس له عهد من قبل بسفك الدماء، ولا بمرأى جثث الأطفال والنساء والرجال والمرضى، وهي ملقاة على قوارع الطرقات أو مغيبة تحت أنقاض ومبان مهدمة في الأزقة والحواري.
وتابع الطيب أن كل ما يعرفه شعب غزة البريء البسيط، هو أن أقداره شاءت أن يلقى ربه شهيدًا، وشاهدًا على جرائم الإبادة والمحرقة الجماعية، من طغاة القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد، والذي بشرونا بأنه: قرن العلم والتقدم والرقي، وقرن الأخلاق الإنسانية والحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وغير ذلك من الأكاذيب والأباطيل التي انطلت على كثيرين منا، وحسبوها حقائق ثابتة من حقائق الأذهان والأعيان؛ فإذا هي اليوم، وكما يقول القرآن الكريم: ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: 39].
ورأى شيخ الأزهر أن ثالثة الأثافي تتمثل في أن المؤسسات الدولية والمواثيق العالمية، وفي مقدمتها: مؤسسة الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيرهما من المنظمات التي تتعهد موادها الأولى في قوانينها ومواثيقها بحفظ السلام والأمن الدوليين، ومبدأ المساواة بين الدول الأعضاء، وتحريم استخدام القوة، بل تحريم مجرد التهديد بها في العلاقات الدولية، والامتناع التام عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول.. هذه المؤسسات تقف اليوم عاجزة، بل مشلولة شللاً رباعيًا أقعدها عن تنفيذ بند واحد مما تعهدت بتنفيذه، ولطالما غلبت على أمرها، وعلى إرادتها وقراراتها التي تحظى بأغلبية ساحقة من الدول الأعضاء، بعدما تجهضها تدخلات سافرة من قوى مستبدة، مدربة على كتمان الحق حينًا، وإلباسه ثوب الباطل حينًا آخر، والغطرسة والجفوة والعجرفة أحيانًا كثيرة.
وقال إنَّ الأدهى من ذلك والأشد مرارة وهو تدخل القوى الكبرى شريكًا داعمًا بمالها الوفير وأسلحتها الفتاكة لقوة غاشمة، وهي تعلم علم اليقين أنها ستسحق به الضعفاء والمستضعفين من الرجال والنساء والأطفال والمرضى، وتجيعهم وتحيطهم بضغوط لا قبل لهم بها، حتى إذا ما خرجوا من ديارهم وأموالهم، وهاموا على وجوههم في الطرقات صبوا فوق رؤوسهم من عذاب الجحيم ما سيكتبه التاريخ دمًا ودموعًا في أسود صفحاته وأحلكها ظلما ًوظلامًا.