يعد النفاق من أكثر المهارات الاحترافية التي تكشف عن ذكاء صاحبه، متى استخدمه بلباقة ليتوارى خلفه عن خسته وندالته التي يكنها في قلبه، فتجده أسدا على الضعفاء، ولكنه لا يجرؤ إلا أن يركع أمام الأقوياء،
ومن عجائب صنعة هذا المنافق، أنه كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"، كما أنه يتمعر وجهه غضبا حال وجد أحدا يجامل الضعفاء ولو بكلمة أو ينصفهم بشطر شيئ من الحق أو الخير، فيلبس لباس التقوى، ويرتدي عباءة الخطابة، ويسترسل في الحديث عن خطورة النفاق في المجتمع، وكيف ينهار المجتمع بإنصاف الفقراء، أو السعي على مصالحهم، وربما إذا طلبت منه طلبا لتعيين شاب فقير أو التوسط لأسرىة معدمة من أجل لقمة العيش أو الحصول على بيت يستر عوراتهم، يصرخ في وجهك، متهما إياك بالفساد والمحسوبية، وأنه لم يكن أداة في نشر الباطل، وقد تجده يطلب لك الشرطة ويسحك إلى السجن.
في حين يبدو رقيقا حينما يطلب منه القوي أكثر من هذا، فقد يبيع سوارى كسرى ومال قيصر بل قد يبيع دينه وشرفه من أجل تلبية مطالب هذا القوي، بل تجده وهو يبيع له غير مكتف بما يبيعه له، بل يتذلل له بعبارات الخنوع والذل من أجل أن يرضى عن بيعه له رغم خسته.
فيبالغ المنافق فى الادعاء والتصنع وإظهار الحرص على المصلحة العامة، مع الاستعداد الدائم لاقتراف أبشع الجرائم وأحط وأبشع صور الإفساد فى الأرض.
وقد يفاجئك المنافق بأشياء في صنعتك، يشيب لها الأقرع وتسقط لها الحبلى، فتجده في بعض المواقف أمام القوي، حينما يشعرك أنه يقف في وجهه، مرتيدا عباء الملك أكثر من الملك نفسه، فبدلا من أن يكشف للقوي عن جرائمه، تجده يلوم عليه أنه يبدو مهملا في نفسهوفي صحته، وقد يلومه على حنانه الزائد .
هذا المستوى المتقدم من النفاق الاحترافي ربما لايوجد له مثيل، ويبدو أنه مع كثرة المنافقين أصبح على من ينافق القوي أن يكون مجددا ومبدعا.
ليس شرًا فقط
لذلك وكما أن النفاق شر مطلق وضرره أكيد وخطره عظيم، إلا أنه أيضا له أنداله وشياطينه الذين يلبثون الحق بالباطل ويجعلونها عوجا.. وفى القرآن الكريم سورة بأكملها للمنافقين، وقد علمنا النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أن "آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كذب، وإذا وَعد أخلف، وإذا أؤتمن خان". فأما المسيح عليه السلام فقد أعرض عن المرائين وواجههم وندد بهم ونعتهم بأنهم "أولاد أفاعي"، وقد قالت فيهم العرب على امتداد التاريخ أشعارا كثيرة منها ذلك الوصف للمنافق الذى قاله الشاعر محذرا: يعطيك من طرف اللسان حلاوةً / ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ.
وقد اشتق العرب لصفات هذا الندل الخسيس كلمة توزن بميزان الذهب، وهي النفاق، وهي مشتقة من "النفق" المخفى تحت سطح الأرض، ذلك أن حال المنافق كحال الأفعى التى تلوذ وتتسرب إلى داخل الشقوق والأنفاق لتستتر وتكمن وتمعن فى الاختفاء والتمويه، إذ لا تقنع ولا تكتفى بقدرتها المعجزة على التلون وتغيير الجلد حسب متغيرات البيئة والأحوال والأوضاع والظروف، بل تبحث دائما عن ساتر تكمن وتختفى عن الأنظار خلفه.
اقرأ أيضا:
عبد الله مخلصا 500عام وقذف في النار .. هذا هو السبب .. اللهم ادخلنا الجنة بفضلك وليس بعدلكصفات المنافق المحترف
والنفاق له مذاهب ومدارس شتى فى السلوك والأهداف والأغراض، ومع ذلك تجدهم جميعا يأتلفون ويتوحدون على ملامح كريهة وسمات عفنة وصفات رديئة أشهرها وأوضحها، طبقا لما اتفق عليه أهل العلم:
- احتراف، بل إدمان الكذب على الناس والمولى تعالى، ويكذبون كذلك على أنفسهم بسبب أيضا.
- الأنانية والجبن والخسة وانعدام المروءة.
- استسهال إخلاف الوعود ونقض العهود.
- المبالغة فى الادعاء والتصنع وإظهار الحرص على المصلحة العامة، مع الاستعداد الدائم لاقتراف أبشع الجرائم وأحط وأبشع صور الإفساد فى الأرض.
- كثرة القسم والحلفان بالكذب، فالمنافق كما الحرامى تماما إذا قيل له احلف أنك ما سرقت، فإن لسان حاله يقول فورا: إذن فقد جاء الفرج.
- السفه والجهالة وقلة التربية والتعليم.
- الفجور فى مخاصمة الضعيف مقابل الذل والانسحاق أمام القوي.
- خراب الذمة وضعف العقيدة والإعراض عن الإيمان أو الالتزام بأية قضية.
- الغرور والاستهزاء بالشرفاء والصالحين، فضلا عن كراهيتهم.
- الاهتمام بحسن المظهر لستر قبح المخبر وسوء الطوية.
- الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف.
- الاستعانة بحلاوة اللسان وزخرف الأقوال مع بشاعة الأفعال وانحطاط السلوك.
- الجرى وراء المغانم والنأى عن المغارم.
- التذرع بحر الصيف أو برد الشتاء للهروب من التكاليف والإفلات من التضحيات.
- الطمع والجشع وحب اكتناز المال مهما كان مصدره، والسعى خلف اللذة العابرة (لا المتعة الراقية) فى أى درب، وعبادة كل صاحب سلطة ولحس بلاطه واعتياد موالاة كل حاكم والتزلف له والركوع عند عتباته أو تحت جزمته.
كيف وصفهم الإسلام؟
وصف الإسلام المنافقين بأنهم خبثاء وحذر منهم، وقال إن السكوت عن الحق والدفاع عن الباطل و السلبية في مواجهة الظلم والكذب إيثارا للسلامة وتملق الرؤساء..كلها تطبيقات للنفاق، وللأسف هي تنتشر الآن في العالم الإسلامي أكثر من أى وقت مضى .
اقرأ أيضا:
آيات قرآنية.. الملاذ الآمن عند التعرض للابتلاء