يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (فاطر 5)، فلو تدبرنا هذه الآية الكريمة ما وجدنا أشد نذيرا في الدنيا أخطر من هذا النذير، ولا تنبيها أشد وقعًا من هذا التنبيه، ولا تحذيرًا أشد من هذا التحذير.
فهي لاشك خطاب إلى الناس، فيه توضيح وتبيان لما يجب أن يكون عليه حالهم وعملهم في هذه الحياة الدنيا، من خلال توجيههم، ولفت انتباههم، وتذكيرهم بحالة تُميزهم تتعلق بمعرفة المصير والمآل والخلق والعمل، شره وخيره، وما يترتب عليه من سعادة وشقاء، في الدنيا والآخرة، فهو خطاب للناس فيه دعوة لمن غرته الدنيا وشغلته، أو غره الغرور، فجعله يتناسى جانب تبيان حقيقة المصير والمآل والخلق والعمل خيره وشره، والاعتقاد السليم في الإله الحق، فانبنى عمله على كُفران ذلك وتجاوزه، ولم يتنبه إلى هذا المصير المحتوم.
الوعد الحق
عزيزي المسلم، اعلم يقينًا أن وعد الله حق، ذلك أن من أبرز الصفات الذميمة التي نهى الله ورسوله عنها الغرور، وفي ذلك يقول أهل العلم: إن الغرور هو كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان وغير ذلك، لذل حذر الله عز وجل عباده المتقين أن ينتبهوا من الوقوع في الاغترار، لأن ذلك بداية الفشل والمآل غير الطيب، قال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (آل عمران: 185)، واعلم عزيزي المسلم أن الله يتجاوز عنك ويغفر لك، ليس فقط لأنك مسلمًا، وإنما لإسراعك إلى طلب المغفرة والتوبة، والاستعاذة من الوقوع في الغرور، الذي سبق وكان سببًا في إخراج إبليس من الجنة، قال تعالى: «وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً» (الإسراء: 64).
اقرأ أيضا:
بشريات كثيرة لمن مات له طفل صغير.. تعرف عليهاكرم الله
عزيزي المسلم، اعلم يقينًا أن الله كريم وغافر لكل الذنوب، فلا تتكاسل عن الحق، وتتكبر على الندم، فتأخذك الحياة الدنيا، حتى تجد نفسك أمام الله دون حائل، وحينها لن يغنيك قوتك ولا غناك ولا سلطانك.
وقد أخبر سبحانه أن الغرور من شأن الظالمين والكفار، قال تعالى: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً» (فاطر: 40)، فمن الناس من إذا أعطي مالاً أو منصباً أو جاهاً، ظن أن هذا دليل على إكرام الله له ورضاه عنه، وأن هذا المنصب أو المال إنما حصل عليه باجتهاده وتعبه، وهذا يشبه قارون عندما قال عن ماله: «إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي» (القصص: 78).
وقال أيضًا سبحانه وتعالى: «فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا» (الفجر: 15 – 16).. وإياك أن تنسى عزيزي المسلم (كلا) لأنها تعني أن الأمر ليس كما يتصوره البعض للأسف.