يشتاق مليارات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لزيارة مسجد وروضة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الحبيب الذي ترجى شفاعته، وهو المعصوم الذي تنفك به الكرب وتنحل به العقد، وتنزل به سحائب الرحمة، ويخر تحت قدميه الملوك والأمراء، ويستسقى به الغمام.
وزيارةُ النبي الحبيب ﷺ سُنَّة، وهي من أعظم القربات وأرجى الطاعات، ففي أثناء رحلتك إلى المدينة، ولا تحسبن أن زيارته يكون أثرها على قلبك وجسدك مثل زيارة أي أمير أو ملك، بل إن زيارته ينتفض لها القلب وتزلزل بها الجسد، وتسكب لها الدموع، وتشتاق إليه الأفئدة، وتنشرح بها الصدور، لذلك كان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه يخلع نعليه حينما يصل إلى حدود المدينة المنورة، وحينما سئل عن هذا أجاب بأنه يخشى أن يدوس بنعليه موضع داس عليه قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أهم ما يفعله المسلم حين يهم بزيارة النبي عليه الصلاة والسلام هو الإكثار من الصلاة والسلام عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن ذكر الله تعالى، والتضرع إليه، وحمده، وشكره على تفضله.
دعاء عند زيارة المدينة
وإذا ما وصلت إلى المدينة المنورة، ورأيت مبانيها، فقل: اللهم هذا حَرُم نبيك، فاجعله وقايةً لي من النار، وأمانًا من العذاب، وسوء الحساب، { وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: ٨٠]، ربِّ ارزقني حسن الأدب، في مدينة نبيك محمد ﷺ، ووفقني لفعل الخيرات، وترك المنكرات.
بعد ذلك تستعد للزيارة واللقاء، والتشرف بالمثول، بين يدي خير خلق الله ﷺ، وذلك يكون ظاهريًّا وباطنيًّا، ظاهريًّا بالاغتسال، والتطيب، ولبس أفضل ما عندك.
وعليك أن تلتزم وأنت على باب النبي بهذه الأشياء:
التوبة
الاستغفار
التواضع
السكينة
الوقار
غض الصوت
فما ينبغي هناك رفع الأصوات. قال تعالى:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: ٢].
اقرأ أيضا:
يتعامل النبي مع المخطئين بطريقة رائعة.. تعرف على جانب مضيء من دعوته بالرفق واللبيندخول المسجد النبوي
وإذا ما وصلت إلى المسجد النبوي الشريف، فادخل برجلك اليمنى، وقل: «بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم» [أخرجه أبو داود].
وقل أيضًا: «اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك» [أخرجه مسلم].
وإن كان الزحامُ شديدًا فصلِّ ركعتي سنة المسجد، حيث يتيسر لك، وإن تمكنت من صلاتهما في الروضة الشريفة، فهذا من فضل الله عليك، فهي روضةٌ من رياضِ الجنة، ومهبط الرحمة، وموطن الإجابة، وادعُ فيها بما تحب، من خيري الدنيا والآخرة، لك ولأحبابك.
فقد قال ﷺ: «ما بين بَيتي ومنبري رَوضةٌ من رياض الجنة» [متفق عليه].
ثم توجَّه للسلام على رسول الله ﷺ، وصاحبيه أبي بكر وعمر ، وقف أمام الحجرة بأدبٍ وإجلالٍ، واعلم أنه حيٌّ في قبره، يسمع كلامك، ويرد عليك سلامك، قال ﷺ: «ما من مسلمٍ يُسلِّم عليَّ إلا ردَّ الله إليَّ روحي حتى أردَّ عليه» [أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط].
فسلِّم عليه بصوتٍ خفيضٍ، وقلبٍ حاضرٍ، وفؤادٍ مشتاقٍ، وادعُ بما شئت من خيري الدنيا والآخرة.