لم تكن حادثة الإفك بحق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها -زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم- وليدة لحظتها وتنتهي، وإنما يبدو أن الله عز وجل أراد لها أن تكون شاهدًا على فضل هذه السيدة العظيمة، وبدلاً من أن تمشي فيما خطط لها، من قبل عبد الله بن أبي بن سلول، باتت أكبر دليل على طهارتها وعفتها، بل وقدرها ومكانتها في الإسلام بشكل عام.

ذلك أن هذا الفضل بينه الخالق الجبار الذي يعلم السر وأخفى، فبين الحقيقة، وليس هذا وحسب، وإنما اعتبر الخوض فيه أمر عظيم.

قال تعالى: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» (النور: 15)، وجاءت هذه المحنة منطوية على حكمة إلهية استهدفت إبراز شخصية النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وإظهارها صافية مميزة عن كل ما قد يلتبس بها.

فلو كان الوحي أمراً ذاتيًا غير منفصل عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، لما عاش النبي الأكرم تلك المحنة بكل أبعادها شهرًا كاملاً، ولكن الحقيقة التي تجلت للناس بهذه المحنة أن ظهرت بشرية الرسول ونبوته، فعندما حسم الوحي اللغط الَذي دار حول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ عادت المياه إلى مجاريها بينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم.

حق عائشة

للأسف هناك من ينتمون للإسلام مازالوا يخوضون في عِرض أطهر النساء حتى الآن، لذا بات على كل مسلم غيور على دينه، موقن في طهارتها، بقدر يقينه في رسالة نبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم، أن يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة، بل ويذكرها بكل الخير، وذلك من خلال ذكر الأحاديث التي نقلتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عديدة ومتباينة، أو بذكر محاسنها على الإسلام بشكل عام.

إذ لا ينسى فضلها في تعليم النساء الكثير من تعاليم ومبادئ هذا الدين العظيم، فضلا عن موقفها بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، إذ كانت مثل (المرجع) للكثير من الصحابة في العديد من الخلافات والمشاكل، كما لا ينسى لها أبدًَا أبدًا حبها للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وكيف كان هو صلى الله عليه وسلم يحبها، فعن سيدنا ‌أبي موسى الأشعري، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».

اقرأ أيضا:

"واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة".. هل سمعت هذا المعنى من قبل؟

أم المحصنات

وعاشئة رضي الله عنها هي أم المحصنات، التي قال فيها شاعر الرسول، حسان بن ثابت معتذرًا لها عما قيل في حقها: (رَأيتُكِ وَلْيَغْفِرْ لَكِ اللهُ حُرَّةً مِنَ المُحْصَنَاتِ غَيْرَ ذَاتِ غَوَائِلِ)، وقد أجمع العلماء قاطبة على أن من سب عائشة رضي الله عنها بعد براءتها براءة قطعية بنص القرآن، ورماها بما اتهمت به؛ فإنه كافر، لأنه معاند للقرآن.

وقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته عائشة رضي الله عنها في حجرة لا تتجاوز مساحتها خطوات معدودات، وكان يمر عليهما شهران ولا يوقد في بيتهما نار، ومع ذلك أشاع بين جدران هذه الحجرة الحب في أعلى وأطهر صوره، والذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعبر ويفصح عنه دون حرج، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها).