كثير منا للأسف يقع في (الغيبة)، بأن يذكر صاحبه بما ليس فيه، ثم يعود من فوره، ويريد لو تراجع عما قال، ولكن هيهات هيهات، فما وقع قد وقع، وإذا أراد العودة فعليه أن يذهب لمن اغتابه ويبلغه بأنه اغتابه، ويطلب من الغفران والسماح، وبالتأكيد هذا أمر يصعب على أي إنسان فعله، فكيف يتصرف إذن؟.
علينا أولاً ألا ننسى أن الغيبة من عظائم الذنوب، حتى نفر منها، وقال الله سبحانه عنها: «وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ»، فشبه الله تعالى المغتب بمن يأكل لحم أخيه جيفة أي وهو ميت، ومن ثمّ الوقوع فيها إثم عظيم، ولكن الله وضع أسباب الخروج من هذه الأزمة، ولم يغلق كل الأبواب أمام عباده المؤمنين، خصوصًا الراغبين في التوبة والعفو.
نصائح لمن يرتكب الغيبة
يا من وقعت في الغيبة، وذكرت أخاك بما ليس فيه أمام الناس، حاول أن تتحدث عنه ثانيةً، ولكن هذه المرة بشكل أفضل، تحدث عن مزاياه وإخلاصه وصدقه ومحاسنه، أو أخرج صدقة بالنيابة عنه، ثم بين هذا وذاك داوم على الاستغفار، عسى الله أن يرفع عنك ما قلت، وما وقعت فيه، وداوم أيضًا على ترديد هذه الجملة: «اللهم اغفر لِي ولمن اغتبته بقصد أو بدون قصد وتجاوز عن سيئاتي وسيئاته يارب العالمين».
فالغيبة لاشك مرض خطير، وداء فتاك، ومعول هدام، وسلوك يفرق بين الأحباب، وبهتان يغطي على محاسن الآخرين، وبذرة تنبت شرورًا بين المجتمع المسلم، وتقلب موازين العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور، وعلاج هذا المرض لا يكون إلا بالعلم والعمل، فإذا عرف المغتاب أنه تعرض لسخط الله يوم القيامة بإحباط عمله، وإعطاء حسناته من يغتابه، أو يحمل عنه أوزاره، وأنه يتعرض لهجوم من يغتابه في الدنيا، وقد يسلطه الله عليه، إذا علم هذا وعمل بمقتضاه من خير واستغفر وأناب وتاب إلى الله، فقد وفّقه الله عز وجل للعلاج ويتقبل منه بإذن الله.
اقرأ أيضا:
الكسل داء يبدد الأعمار والطاقات.. انظر كيف عالجه الإسلامكفارة الغيبة
وعلى العبد أن يستحضر أن كل لفظ يلفظ به مسجل عليه محصى في كتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، قال تعالى: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (ق:18)، والغيبة كما عرفها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم هي ذكرك أخاه بما يكره وهو غائب، فقال رجل يا رسول الله: (أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟) أنا قلت قصير وهو كذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)، والبهتان أكبر من الغيبة؛ لأنه يشتمل على الكذب والغيبة وسوء الظن والظلم..
فعلى المرء المسلم أن يلجأ إلى الله بالاستغفار والندم على ما فعل، وأن يذكر عيوبه أيضًا، ولا ينشغل بعيوب الناس، وأن يتجنب المجالس التي فيها غيبة والبعد عن المجاملات، كما عليه استحضار الصورة المقززة لمن يغتاب أخواته «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ» (الحجرات:12).