بر الوالدين من الحسنات الباقية للعبد كما أن يكون أيضًا لما بعد وفاة الوالدين أي يمكن أن تبر أباك أو أمك بعد وفاتهما.. كيف ذلك؟
يقول د. عادل هندي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف إن البر بالآباء والأمّهات لا ينقطع بوفاتهما -أيها الإخوة-، ودعونا نتوقّف عند صور البر في حال حياتهما أولا، ثم نتحدّث عن البر بهما بعد مماتهما.
من صور البر بعد موتهما :
ما ورد في الحديث: عند أبي داوود والحاكم والبخاري في الأدب المفرد عن أبي أُسَيدِ مالكِ بنِ ربيعة السَّاعدىِّ، قال: بينا نحنُ عندَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءهُ رجل مِن بني سَلِمةَ، فقال: يا رسولَ الله صلى اله عليه وسلم هل بقي مِن بِرِّ أبوَىَّ شيٌ أبَرُهما به بعدَ موتهما؟ قال: ((نعم: الصلاةُ عليهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهِما من بعدِهِمَا، وصِلَةُ الرحِمِ التي لا توصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صَدِيقِهما))..
1. فأول الصلة لهما بعد وفاتهما: الصلاة عليهما، قالوا: أي صلاة الجنازة، وقيل: هو الدعاء لهما.
2. وثاني صور الصلة: الاستغفار الدائم لهما بقولك ((رب اغفر لي ولوالديّ)).
3. وثالثها: إنفاذ عهدهما الذي كانا عليه في حال الدنيا من عمل نافع وصالح للنفس وللغير وللمجتمع كله.
4. ورابع صور الصلة لهما بعد الموت: صلة رحمهما، كالأعمام والأخوال، والعمات والخالات.
5. وأما خامس ما ورد في الحديث (إكرام صديقهما)، فصديق الأب، وصديقة الأم، لهم حق الوُدّ،؛ إكراما للأب والأم؛ بحيث إذا رآك صديق والدك بأدبك وصلتك دعا لك ولمن أدّبَك وربّاك... فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلَّم عليه عبد الله بن عمر وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه .قال ابن دينار : فقلنا له : أصلحك الله ! إنهم الأعراب، وهم يرضون باليسير، فقال عبد الله بن عمر : إنَّ أبا هذا كان ودًّا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ أبرَّ البرِّ صلة الولد أهل ودِّ أبيه)) [رواه مسلم في صحيحه].
بر الوالدين حال الحياة:
أما بر الوالدين في حال حياتهما فيذكر د هندي أن هناك صورا كثيرة منها ما يلي:
1. عدم التأفُّف من خطابهما أو الحديث إليها، وعدم إظهار التضجّر أبدًا، ولا تقع في نهرهما أو رفع الصوت عليهما؛ يقول تعالى: "فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا" وكان ابن عباس يقول: والله لا أعلم عملا أحب إلى الله من بر الوالدة..
2. القول الكريم في خطابهما، قال عزّ وجلّ: "وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا"، فاختر أخي الحبيب ألطف العبارات وألينها وأجملها وأحسنها وأرقها عند حديثك إلى أبويك.
3. خفض الجناح لهما، ولتواضع بين أيديهما، وعدم التكبر عليهما بأي شيء وصلت إليك، أو قل: وصلَ إليك؛ فهما سبب وجودك بعد الله، قال تعالى: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة".
4. الدعاء لهما باستمرار بأن يطيل الله أعمارهما في الخير وأن يرزقهما القبول والغفران، قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا"...
5. الحرص على سُمعتهما؛ فلا تفعل ما يسيئ إليهما من قول أو فعل، أو أن تكون سببًا في لعنهما والدعاء عليهما..
6. مساعدتهما في أعمال المنزل والتخفيف عنهما من أعباء الحياة؛ انظر إلى رسول الله وكان في مهنة أهله.
7. الأخذ برأيها وقبول مشورتها، والابتعاد عن الدخول في جدال لا فائدة من ورائه معها.
8. إدخال السعادة والسرور عليهما بهدية، أو تجميل منزلهما، أو شراء شيء يسعدهما؛ فابحث عمّا يُسْعِدهما وفتّش وستجد، وتذكر أن أفضل العبادة بعد الفريضة سرور تدخله على نفس مسلم، فكيف بالأبوين؟!