الجواب
دار الإفتاء المصرية ردت علي هذا التساؤل بالقول :ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه".
ومضت الدار في الفتوي المنشورة علي بوابتها الاليكترونية للقول :وقد ذكر العلماء أنَّ المراد بإماطة الأذى عن الطريق: إزالة ما يؤذي المارة من مجرد شوك، وكذا قطع الأشجار من الأماكن الوعرة، وتوسيع الطرق، وما في نحوها.
وبدوره قال الحافظ العراقي في "طرح التثريب في شرح التقريب" :"المراد بإماطة الأذى عن الطريق إزالة ما يؤذي المارة من حجر أو شوك، وكذا قطع الأحجار من الأماكن الوعرة كما يفعل في طريق، وكذا كَنْسُ الطريق من التراب الذي يتأذى به المار وردم ما فيه من حفرة أو وَهْدَةٍ وقطع شجرة تكون في الطريق، وفي معناه توسيع الطرق التي تضيق على المارة وإقامة من يبيع أو يشتري في وسط الطرق العامة"ـ.
وقال الإمام النووي في "شرح مسلم" :"والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر أو مدر أو شوك أو غيره]
الإمام ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (5/ 114، ط. دار المعرفة): علق علي هذا الأمر بالقول :ومعنى كون الإماطة صدقة: أنه تسبب إلى سلامة مَن يمرّ به من الأذى، فكأنه تصدَّق عليه بذلك، فحصل له أجر الصدقة] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عن السؤال.
من ناحية أخري ردت الدار علي تساؤل نصه يقوم بعض الناس بتصرفات غير لائقة في الأماكن العامة، لا يراعون فيها الآداب الإسلامية، ولا مشاعر الناس ولا ما تسببه بعض التصرفات من أذى لهم؛ كالبصق في الطرق والأماكن العامة، فما حكم الشرع في ذلك؟
وقالت الدار في معرض ردها علي هذا التساؤل بالقول :ينبغي للمسلم أن يراعي الآداب الإسلامية التي وضعها الدين الإسلامي، وأن يصون كرامةَ الناس، ويراعِي شعورههم؛ فإنَّ من آداب الطريق ومن حقوقه التي أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفّ الأذى عن الطريق، وهو لفظ عام ويَشْمَل كل أنواع الأذى، وكلّ أمر مستقذر طَبعًا، ويُؤَدِّي إلى نفور النَّاس، أو يؤدّي إلى إلحاق الأذى بهم هو أمرٌ منهيٌّ عنه شرعًا.
واضافت :وضع الدين الإسلامي ضوابط وآدابًا تَصون كرامةَ الفرد، وتراعِي شعوره وتحميه مِن كل أذى؛ ومن ذلك: آداب الطريق التي أرشدنا إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال لمَن سأله عن حقّ الطريق: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ» رواه البخاري ومسلم، فجَعَل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مِن حق الطريق: كف الأذى، وهو لفظ عام ويَشْمَل كل أنواع الأذى، والذي منه التَّنَخُّم -أي: إخراج النُّخَامة وبَصْقها- على الأرض في الطرقات العامة؛ فهو أمر مستقذرٌ طَبعًا، ويُؤَدِّي إلى نفور النَّاس من الأماكن التي تُلْقَى فيها النُّخَامة، بل قد يؤدّي إلى إلحاق الأذى بهم؛ كإصابتهم بالأمراض والأوبئة.
وعادت الدار للقول في فتوها :لاستقذار هذا الأمر -أي: التَّنَخُّم-؛ وَرَد النهي عن فعله في المسجد؛ ففي الحديث: «الْبُزَاقُ في الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا» رواه البخاريوقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ في وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَتْفُلْ هَكَذَا» وَوَصف القاسم بن مهران -أحد رواة الحديث- فتَفَل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض. رواه مسلم.
وكذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: «عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِى حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا؛ فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِي أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ في الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ» رواه مسلم.
واشارت الدار إلي أن هذه النصوص النبوية وإن كانت واردة في شأن البصق في المسجد، لكن يُقاس عليها غيرها من الأماكن التي يرتادها الناس بجامع الاستقذار في كُلٍّ؛ فلا فرق في استقذار هذا الأمر بين كونه في أماكن اجتماع الناس للصلاة، واجتماعهم في وسائل المواصلات والحدائق العامة والشوارع والطرقات، فالاستقذار الحاصل من التَّنَخُّم وارد في كليهما.
واستدركت الدار :مع هذا؛ فقد يكون التَّنَخُّم أمرًا عارضًا يحتاج إليه الإنسان، ولو مُنِع من إخراجه لأصيب بأضرار صحية؛ لذا أجاز الفقهاء في هذه الحالة التَّنَخُّم على الأرض، لكنهم أرشدوا إلى فعل الأَوْلَى في ذلك.
وقال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (1/ 216، ط. دار الكتب العلمية): "النخامة والمخاط ممَّا يُستقذر طبعًا. وإذا عَرَض للمُصَلّي ذلك ينبغي أن يأخذه بطرف ثوبه، وإن ألقاه في المسجد فعليه أن يرفعه، ولو دفنه في المسجد تحت الحصير يرخص له ذلك، والأفضل ألا يفعل؛ لأن البصاق مستقذر طبعًا فإذا دفن لا يستقذر ولا يؤدي إلى التنفير"ـ.
اقرأ أيضا:
هل توجد سورة في القرآن لتقوية الذاكرة وعلاج النسيان؟ (الإفتاء تجيب)ونبهت الدار إلي أن الذي يستفاد من هذه النصوص أنَّ الأفضل إذا عَرَض التَّنَخُّم للإنسان أن يلقيه في منديل، فإن لم يتيسر له ذلك فليُلقه في طرف ثوبه وإلا جاز له أن يلقيه على الأرض مع القيام بدفنه، أي: بتغطيته بشيء من التراب، أو حكه بنعله، حتى لا يَبْقَى للبصاق أثرٌ يؤذي الناس.
وخلصت الدار في نهاية الفتوي للقول : فينبغي للمسلم ألا يَبْصُق على الأرض؛ لأنَّه فعلٌ مُستَقذَرٌ طَبْعًا، وقد يؤدّي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، والأفضل إذا عَرَض التَّنَخُّم للإنسان أن يلقيه في منديل، فإن لم يتيسر له ذلك فليُلقه في طرف ثوبه، فإن لم يستطع فليدفن بصاقه أو يدلكه برجله؛ لأنَّه إذا دُفِن لا يَبْقى له أَثَرٌ، فلا يَلْحَق الآخرين منه أذى.