عبد الناس العجل "أبيس" من قبل ظهور السامري الأول الذي ظهر في عصر نبي الله موسى، وهو عجل يَمتاز بصفاتٍ نادرة تجعل الحصول على مثله أعسر الأمور.
وبعد أبيس ظل الناس على فتنتهم يتداولون عبادة العجل بعد إذ نجاهم الله من الجهل والشرك.
ومن أشهر من عبدوا العجل قوم موسى، بعد أن نجاهم الله من عبادة الفرعون، وكأنهم يبحثون عن كل ما يشركون به من دون الله كلما هداهم الله إلى الإيمان وأنقذهم من الضلال.
فبعد ان سار موسى وقومه، مشرقين مولين وجوههم شطر طور سيناء، وعلم فرعون بخروجهم، فأسرع في حشد جنوده، وسار في أثر بني إسرائيل يريد أنْ يُعيدهم؛ لِمَا يترتب على خروجهم من اضطراب الأعمال في معاملهم ومصانعهم ومزارعهم، فأدركهم عند شاطئ البحر، فأمر الله موسى أن يضربَ البحر بعصاه، فانفلق فكان كلُّ فِرْقٍ كالطَّود العظيم، فسار موسى وقومه في طريقهم، وتبعهم فرعون وجنوده، ولكن البحر بعد خروج موسى وقومه أطبق على فرعون وجنوده، فكانوا من الهالكين.
اقرأ أيضا:
خزائن الله لاتنفد.. لماذا يعاني البشر من التعاسة رغم التقدم العلمي؟ (الشعراوي يجيب)وبعد أن أنقذ الله بموسى الناس من عبادة فرعون وجبروته، وظلمه لهم، وبعد أن آمنوا بالله الواحد، وأنعم الله عليهم بالرزق الوفير والبركات، بدأ الناس في البحث عن العجل مرة أخرى.
وبدأت الحكاية بعدما واعد الله نبيه موسى أربعين ليلة، يُلقي عليه فيها التوراة، فترك قومَه لأخيه هارون يرعاهم ويأمرهم وينهاهم، ولم يكد موسى يُفارقهم لميقات ربِّه حتى تحركت الوثنية في نفس رجل منهم، يقال له: السامري، فَطَفِقَ يُذكِّرهم بمعبودهم الذي تركوه في مصر، وهو العجل (أبيس)، ولم يكونوا أقلَّ منه تشبثًا بالوثنية، فإنَّهم بعد أن اجتاز بهم موسى - عليه السَّلام - البَحْرَ أَتَوْا على قومٍ يَعكفون على أصنام لهم، فقالوا: يا موسى، اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة، فصادف إغراء السامري لهم هوًى في نفوسهم، فحنت إلى عبادته، وكان السامري رجلاً صواغًا، فطلب إليهم أنْ يعطوه ما أخذوا من زينة القوم؛ ليصوغ لهم تِمثالاً للعجل يعبدونه، فأجابوه إلى ما طلب، فصاغ لهم تِمثالاً للعجل جَهَّزه بجهاز خاص يتوصل به إلى إحداث صوت كخوار العجل، وأبرزه لهم قائلاً: هذا إلهكم وإله موسى، ولكن موسى نَسِيَ، وذهب يلتمسه في موضع آخر.
أخبر الله تعالى نبيه موسى - عليه السَّلام - بما كان من فتنة قومه، وإضلال السامري لهم، وارتدادهم إلى عبادةِ العجل، فرجع موسى إلى قومه غضبانَ أَسِفًا، فقال: بئسما خلفتموني من بعدي، أفطال عليكم العهد، أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم، فأخلفتم موعدي؟ وأقبل على هارون وأخذ برأسه إليه ويقول:
يا هارون، ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألاَّ تتبعن؟ أفعصيت أمري؟
قال: يا ابن أم، لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، لقد قلت لهم من قبل: يا قوم، إنَّما فُتِنتم به، وإنَّ رَبَّكم الرحمن، فاتبعوني وأطيعوا أمري، قالوا: لن نبرحَ عليه عاكفين حتى يرجعَ إلينا موسى، والتفت موسى إلى السامري، وقال له: ما خطبُك يا سامري؟ قال: إنِّي أدركت ببصيرتي ما لم يدركوا، وفطنت إلى ما لم يفطنوا له، فحين رأيتك تدعوهم إلى عبادة إله لا تدركه الأبصار ولا تلمسه الأيدي، وهم لم يألفوا ذلك من قبل، وكان ذلك سيصرفهم عن العبادة، نبذت هذا الجزء من تعليمك، وأخرجت لهم هذا الإله؛ حتى يعودوا إلى العبادة، كما كانوا يفعلون في مصر، وكذلك سَوَّلت لي نفسي؟.
فأمر موسى - عليه السَّلام - بمقاطعة السامري مُقاطعة تامَّة؛ حتى لا يتمادى في إضلالهم، ثم حرق الإله الزائف، ونسفه في اليمِّ نسفًا بين سمعهم وأبصارهم.
وقال المفسرون: إنَّ السامري رأى جبريل وهو قادم لدعوةِ موسى لمناجاة ربِّه، وكان يَمتطي فَرَسًا، فأخذ قبضةً من التُّراب الذي وَطِئته أقدام هذا الفرس، ووضعها في الذهب المنصهر، فسَرَتْ فيه الحياة، فلَمَّا صاغ منه عجلاً، كان عجلاً حيًّا ذا لحم ودم.
ولكن رد الكثير من العلماء بإنَّ القرآن لم يترك كلمة "عجل" بغير تعقيب، بل عقب عليها بقوله: ﴿ جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ ﴾ [الأعراف: 148]، فدل هذا التعقيب على أنَّ العجل لم يكن عجلاً حقيقة، وأنَّه لَم تكن فيه حياة، وإنَّما هو جسد بغير روح؛ لأنَّ العجل الحقيقي جسد وروح، وهذا الذي أخرجه السامري جسد فقط له صوت كخوار البقر، قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لاَ يَخْلُقُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 17].