كتب الله عز وجل على المسلمين، أن تكون صلاتا الظهر والعصر سريين، أي بعدم رفع الصوت أثناء تلاوة القرآن في صلاة الجماعة في الركعتين الأول، بينما قدر أن تكون صلوات المغرب والعشاء والفجر جهرية، أي برفع الصوت عند تلاوة القرآن.. فلماذا ذلك؟.
والإجابة ببساطة، لأن المسلمين في بداية الدعوة كانوا ضعفاء، فكانو يُسرون في الوقت الذي يصحوا فيه المشركين -صلاة الظهر والعصر-، ويجهرون في الوقت الذي ينامون فيه -المغرب والعشاء والفجر-.. فلما هاجر المسلمين إلى المدينة، وقويت شوكتهم ظلوا على ذلك دون تغييرها استصحابًا للأصل، فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي».
أسباب أخرى
أيضًا بين العديد من العلماء أن هناك أسبابًا أخرى وراء سرية الظهر والعصر، وجهرية المغرب والعشاء والفجر، ومن ذلك، انشغال الناس الناس في أعمالهم وسعيهم لطلب الرزق نهارًا، فيكون ذهنهم مشغولا لتحصيل متاع الدنيا، وهذا السبب استحسنه كثير من العلماء، فيما رأى آخرون أنه عند صلاتي المغرب والعشاء يكون الإنسان قد أنهى مهامه اليومية وذهنه قد تفرغ من انشغال الحياة وبالتالي يقدر الإنسان أن يستمع وينصت إلى القراءة وهذا يكون لصفاء ذهنه من مشاغل الحياة، وهذا يكون أبلغ في مناجاة الله والسماع لآيات الله.
وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : « الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الأفضلية ، فلو أن الإنسان قرأ سرًا فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأمِّ القرآن ) ولم يقيِّد هذه القراءة بكونها جهرًا أو سرًّا ، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سرًّا أو جهرًا ، فقد أتى بالواجب ، لكن الأفضل الجهر فيما يسن فيه الجهر مما هو معروف كصلاة الفجر والجمعة».
اقرأ أيضا:
هل توجد سورة في القرآن لتقوية الذاكرة وعلاج النسيان؟ (الإفتاء تجيب)صلاة ناقصة
ويبين العلماء أنه لو تعمد الإنسان وهو إمام ألا يجهر فصلاته صحيحة لكنها ناقصة، أما المنفرد إذا صلى الصلاة الجهرية، فإنه يخير بين الجهر والإسرار ، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به، لكن ليعلم الجميع أن الأصل في المسلم التزام شرع الله تعالى دون تعليق فعله على معرفة العلة أو الحكمة.
ولا مانع من تلمس الحكمة والسعي في طلبها بعد تنفيذه للأمر والتزامه بالهدي، ومن ثمّ فإننا نصلي الظهر والعصر سرًا والمغرب والعشاء جهرًا، اقتداءً بالنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ، فنسر فيما أسر فيه ، ونجهر فيما جهر فيه ؛ لقول الله عز وجل : « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » (الأحزاب/21).