أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بعض الوصاية الذهبية التي تنفع المؤمن في السراء والضراء، فقال صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله تجده تجاهك”، وقال صلى الله عليه وسلم: "تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
فدائما ما يتذكر الإنسان ربه عند الشدائد، ودائما ما يكثر من الدعاء في وقت الضيق، فإذا فَرَّجَ الله عنه ما هو فيه عاد إلى غفلته وهواه.
وقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثالا في ذلك قائلا: "﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت 65].
والتفسير لهذه الآية بحسب الإمام الطبري يشير إلى أنهم إذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه (دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) يقول: أخلصوا لله عند الشدّة التي نزلت بهم التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودية، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ) يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه وسلَّمهم، فصاروا إلى البرّ، إذا هم يجعلون مع الله شريكا في عبادتهم) .
وإذا بالغ العبد في شيء من القربات ، أو اجتهد في أمر من العبادات ، أو الدعاء والتضرع إلى الله تعالى ، وهو ينظر في ذلك كله إلى تفريج كربته ، وكشف ضره ، وإعطائه حاجته وسؤله، لم يقدح ذلك في عبادته ودعائه وتضرعه ، ولم يحرمه أجر هذه العبادات، إنما المذموم أن يعمل العمل الصالح يريد به الدنيا ، ولا تخطر الآخرة له على بال ، فهذا لا يصح عمله ولا يقبل منه.
طاعة الله وبتغاء مرضاته
فإذا عمل الإنسان العمل بغرض تفريج الكرب لا غير ، دون أن تكون له نية في طاعة الله وثوابه وابتغاء مرضاته، يكون مذموما، والمذموم يتقرب إلى الله في الشدة وينساه في الرخاء ، وهو حال الكافر المعاند ؛ ولذلك قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكَرْبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ).
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وهما في الغار (ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا ) فهذه المعية الخاصة تقتضي النصر والتأييد والحفظ والإعانة.
فالمسلم يلجأ إلى الله تعالى في أحواله كلها؛ في سرَّائه وضرَّائه، وشدَّته ورخائه، وصحته وسقمه، فلا يقتصر ذلك في حال الشدة فقط إذ أن ملازمةُ المسلم للطاعة والدعاء حال الرخاءِ، ومواظبته على ذلك في حال السرَّاء سببٌ عظيمٌ لإجابة الدعاء عند الشدائد والمصائب والكُرَب والبلاء، وقد جاء في الحديث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ( مَن سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فلْيُكثِر الدعاءَ في الرخاء ) رواه الترمذي.
وقد ذمَّ الله في مواطن كثيرة من كتابه العزيز من لا يلجأون إلى الله ولا يُخلصون الدِّين إلاَّ في حال شدَّتهم، أمَّا في حال رخائهم ويُسرهم وسرَّائهم ، فإنَّهم يُعرضون وينسون ما كانوا عليه يقول الله تعالى: "وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ ".
اظهار أخبار متعلقة
ويقول تعالى: " وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ".
وتدل الآيات دلالة واضحة على ذمِّ مَن لا يعرف الله إلاَّ في حال ضرَّائه وشدَّته، أمَّا في حال رخائه فإنَّه يكون في صدود وإعراض ولَهوٍ وغفلة وعدم إقبال على الله تبارك وتعالى.
معرفة الله والإيمان به وتعظيمه
ويقول العلماء إن معرفة الله والإيمان به وتعظيمه ليس شيئا طارئا لينقذ الإنسان نفسه من الهلكة، كما فعل عدو الله فرعون حينما أدركه الغرق لجأ إلى الله وقال : (آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) يونس.
فأجابه الله "آَلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ" (٩٢)يونس.
أمَّا سيدنا يونس حينما ابتلعَهُ الحوت "فنادى في الظلمات أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" (٨٧) الأنبياء.
فلماذا قُبِلَت هذه الكلمة من يونس ولم تُقبل من فرعون ؟ كلاهما في المحنة وكلاهما قال : لا إله إلا الله ؟.
يقول العلماء إن فرعون ما عَرَفَ الله قبل المحنة لذلك ما نفعته عند المحن، أما سيدنا يونس عَرَفَ الله قبل المحنة فلما جاءت المحنة نفعته هذه الكلمة، كما أن سيدنا يونس قال "لا إله إلا أنت سبحانك"، أما فرعون فماذا قال؟ قال ” لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل “.
فقُبلتْ (لا إله إلا الله) من سيدنا يونس لأنه كان من المُسبحين ولم تُقبل من فرعون لأنه لم يكن من المُسبحين، بل قالها فرعون لكي ينجيه من الغرق.
وقد قص النبي عليه السلام خبر الثلاثة من بني إسرائيل آواهم المبيت إلى غار فأغلقت عليهم صخرة عظيمة فلا أحد ينجدهم, فلم يجدوا وسيلة يتوسلون بها في هذه الشدة إلا أن يتذكروا معاملتهم في الرخاء, فدعوا الله في الشدة بصالح أعمالهم في الرخاء، فكان سببا للاستجابة لهم في تفريج كربهم وإنقاذهم.