يسأل أحدهم ما حكم شرب «البيرة» بمقدار لا يُسكر العقل؟.. بدايةً على كل مسلم أن يعي تمامًا أن ما يسكر كثيره، فقليله حرام أيضًا، فعن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ، فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ، فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَهْرَاقَهُ».. إذن لماذا نسأل عمن يفتح باب الشيطان والذنوب والشرور، ولا نسأل عمن يفتح أبواب الخير والحسنات؟.. فالبيرة مشروب كحولي، يتم إنتاجه خلال عملية تخمير محتوياته الأساسية التي هي عادةً الماء ومصدر لمادة النشاء بحيث تكون قابلة للتخمر، كالشعير ونحوه، وهو شراب مسكر مُغيب وساتر للعقل كالخمر، وكل ما خامر العقل وستره هو خمر ومحرم شرعًا قليله وكثيره.
أدلة التحريم
أما الأدلة على تحريم "البيرة" فهي كثيرة، ومن ذلك قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ فِي الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» (المائدة: 90-91).
فيما أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ»، وروى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ»، كما ثبت عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، تحريم الخمر بأخبار تبلغ بمجموعها رتبة التواتر.
اقرأ أيضا:
انشغالي بالعمل يجعلني غير حريص بالسنن والمستحبات..هل علي إثم؟جميع المسكرات
إذن أي شراب مُسكر فهو حرام، ولا شك في ذلك نهائيًا، ولم يختلف جمهور العلماء على ذلك إطلاقًا، والتحريم يشمل كل شراب مُسكر، سواء أكان من العنب أم من غيره، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء.
ويدل على ذلك ما جاء في البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والعسل، والخمر ما خامر العقل»، وما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كنت أسقي أبا عبيدة، وأبا طلحة، وأُبَيَّ بن كعب من فضيخ زهو وتمر، فجاءهم آتٍ، فقال: إن الخمر قد حُرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها، فأهرقتها» والفَضيخ: شراب يتخذ من البُسْر -ثمر النخل قبل أَن يرطب- من غير أَن تمسه النار، والزَّهْو: البُسْر الذي يحمر أو يصفر قبل أن يترطب.