الصبر عن المعاصي طاعة ذا قيمة عالية ومقام رفيع بل هو من أرفع درجات الصبر، وهي درجة عالية خصوصا أن المتعارف عليه بشكل عام أن النفس دائمًا ترغب في هواها فمن استطاع عصيانها، وصبر على مطالبها، فقد ارتفع بلا شك إلى تلك الدرجات العالية ا
درجات الصبر عديدة منها ما تطرق له ميمون بن مهران رحمه الله حيث قال : "الصبر صبران : الصبر على المصيبة حسن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي" والصابر عن المعاصي نهايته إلى فلاح ونجاح، ويجد أثر ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة، وفي يوم القيامة سيكون جزاؤه الجنة قال الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" آل عمران: 200" .
وفي هذا السياق قال الإمام ابن الجوزي : "ولو أن شخصًا ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك، وكذلك إذا فعل طاعة.. وكذلك قال سفيان الثوري رحمه الله: «عند الصباح يحمد القوم السُّرى وعند الممات يحمد القوم التقي .
وبدوره قال الإمام ابن القيم رحمه الله : «ذُكر للصبر عن المعصية سببان وفائدتان: أما السببان فالخوف من لحوق الوعيد المرتب عليها، والثاني الحياء من الرب تبارك وتعالى؛ أن يستعان على معاصيه بنعمه، وأن يبارز بالعظائم، وأما الفائدتان: فالإبقاء على الإيمان، والحذر من الحرام» .
العديد من الفقهاء وجمهور العلماء تطرقوا الي فضل الصبر البلاء والمصائب حيث ورد في فضل الصبر البلاء والمصائب ما جاء سنن الترمذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا للنَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلمِ الَّذِي لاَ يُخَالِطُّ النَّاسَ، وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ»، وفي سنن ابن ماجه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَقْدِر عَلَى أَنْ يَنْتَصِرْ دَعَاهُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُؤوسِ الْخَلاَئِقِ حَتّى يُخْيّرَهُ فِي حُورِ الْعِينِ أَيَتُهنَّ شَاءَ.
وعاد الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله للحديث عن فضائل الصبر علي الماصي قائلا: لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي إلا إقامة المروءة، وصون العرض، وحفظ الجاه، وصيانة المال الذي جعله الله قوامًا لمصالح الدنيا والآخرة ومحبة الخلق وصلاح المعاش، وراحة البدن، وقوة القلب، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، والأمن من مخاوف الفُسَّاق والفُجَّار، وقلَّة الهم والغم والحزن، وعز النفس عن احتمال الذُّلِّ، وصون نور القلب أن تُطفئهُ ظلمةُ المعصية..
ومن فوائد الصبر علي المعاصي حصول المخرج له مما ضاق على الفسَّاق والفُجَّار، وتيسير الرزق عليه من حيث لا يحتسبُ، وتيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي، وتسهيل الطاعات عليه، وتيسير العلم، والثناء الحسن في الناس، وكثرة الدعاء له، والحلاوة التي يكتسبها وجهه، والمهابة التي تُلقى له في قلوب الناس، وانتصارهم وحميتهم له إذا أُوذي وظُلِم
وحسنه الألباني. وقد قال الله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (آل عمران:134).
ومن الثابت أن الله خُلق الإنسان ضعيفاً بشكل قد يسهل وقوعه في المعاصي والذنوب أحياناً، ولذلك فقد ذكر العلماء بعض الأمور التي تُعينه على التخفيف من معاصيه أو تجنّبها، وفيما يأتي ذكر جانبٍ من الأسباب المعينة على الصبر عن المعصية:
ومن الأساب المعينة علي الصبر علي المعاصي الخوف من الله سبحانه وكذلك محبّة الله تعالى، باعتبارها من أعظم الأمور التي تدفع المرء لتجنّب المعاصي والآثام. تذكّر العبد لإحسان الله -تعالى- وفضله عليه، وتذكّر أنّ الذنوب سببٌ في زوال النعم.
اقرأ أيضا:
لهذه الأسباب الزوجة هي عماد الأسرة.. تعرف على صفات الزوجة صالحةومن المعينات علي الصبر علي المعاصي الحياء من الله سبحانه، ويتحقّق ذلك من شعور العبد بمراقبة الله -عزّ وجلّ- له. تجنّب فضول الطعام والشراب، وتجنّب الإكثار من المباحات على عمومها؛ لأنّ الفضول في المباحات لا شكّ أنّه سيُصرف في مزيدٍ من الأعمال قد تكون المعاصي والخطايا جزءاً منها
كذلك هناك دوافع عديدة للصبر عن المعاصي منها أن المعاصي إذا علمها العبد على وجهها الصحيح كانت سبباً إضافيّاً لصبره عن المعصية، وفيما يأتي ذكر بعض الحقائق عن المعاصي والآثام:فضلا عن استشعار العبد أنّ ما حوته المعصية من لذّةٍ وهناءٍ إنّما هي لذةٌ عاجلةٌ تمرّ بالعبد ثمّ تنقضي، وتبقى بعدها الحسرة وشؤم المعصية،
وبحسب جمهور الفقهاء فإن من المهم الإشارة إلي أن تلذذ العبد بهلاكه وخسرانه. تذكّر العبد أنّ للمعصية عقوبةً نازلةً في العبد، واستدراجاً من الله -سبحانه- لصاحبها طال الأمد أم قصُر. تذكّر العبد أنّ المعصية تُبعد الهموم فترةً مؤقتةً من الوقت، ثمّ تعاود صاحبها بمزيدٍ من السوء، كما ذكر ابن القيم عن شرب الخمر إنّه يُذهب العقل والهمّ في لحظته، ثمّ تُورث العبد الهموم مجدّداً بعد ذلك