ذات مرةٍ صليت إماماً مع زميلي في العمل صلاة المغرب، ومعروفٌ أنها من الصلوات الجهرية، فقرأ الفاتحة، وكان زميلي بجانبي يقرأ الفاتحة معي، فإذا قلت: الحمد لله رب العالمين ـ قال: الحمد لله رب العالمين، إلى نهاية الفاتحة، يرددها معي، وهو يرى أن قراءة الفاتحة ركنٌ، ولا تجزئ قراءة الإمام عنه، فهل فعله صحيحٌ؟.
قال مركز الفتوى بإسلام ويب: ما فعله زميلك من قراءة الفاتحة - وهو مأمومٌ - صحيحٌ، لأن قراءتها واجبةٌ في حق الإمام، والمأموم، والمنفرد، جميعاً ـ على ما نفتي به ـ وهو مذهب الشافعية، ويستحب للإمام أن يسكت بعد قراءته للفاتحة، ليتيح للمأموم فرصةً لقراءتها.
قال النووي في المجموع: أن المستحب للإمام أن يسكت بعد الفاتحة، قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة، كما سبق بيانه قريباً، وذكرنا دليله من الحديث الصحيح قريباً، وحينئذٍ: لا يمنعه قراءة الفاتحة. انتهى.
ويستحب للمأموم أن يؤخر قراءة الفاتحة إلى ما بعد انتهاء الإمام من قراءتها، إلا إذا كان يعلم أن الإمام يقتصر على الفاتحة، أو أنه يقرأ سورةً قصيرةً، بحيث لا يسع المأموم قراءة الفاتحة، فحينئذٍ يلزمه أن يقرأ الفاتحة مع قراءة الإمام لها.
قال الرملي في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: والمشهور أن السنة في حقه: تأخير قراءة الفاتحة في الأوليين، إلى ما بعد فاتحة إمامه.
وقال زين الدين: أحمد بن عبد العزيز المعبري المليباري الهندي في فتح المعين، بشرح قرة العين، بمهمات الدين: كما يسن تأخير جميع فاتحته عن فاتحة الإمام، ولو في أوليي السرية، إن ظن أنه يقرأ السورة، ولو علم أن إمامه يقتصر على الفاتحة، لزمه أن يقرأها مع قراءة الإمام.
وفي فتوى سابقة سأل فيها صاحبها هل يقرأ سورة الفاتحة بعد قراءة الإمام في الصلوات الجهرية مشيرًا إلى حديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يقرأوا بعد الإمام أجاب المركز بقوله: الحديث الذي أشرت إليه لعلك تقصد به الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود، واللفظ لأحمد عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنِّي لَأَرَاكُمْ تَقْرَؤونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ إِذَا جَهَرَ، قَالَ: قُلْنَا: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا. والحديث قال عنه ابن عبد الهادي الحنبلي في المحرر: رَوَاهُ أَحْمد، وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ، وَحسنه، وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إِسْنَاد حسن ـ وقال عنه الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل محمد بن إسحاق.
وفي هذا الحديث نهي للمأموم أن يقرأ خلف الإمام بما سوى الفاتحة، وأما الفاتحة: فإنه يقرؤها، لقوله في الحديث: فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ ـ وعلة النهي عن القراءة خلف الإمام بغير الفاتحة, لأجل تحصيل الإنصات لقراءة الإمام, جاء في الشرح الكبير لابن قدامة: أما في حال قراءة إمامه فلا يستفتح ولا يستعيذ، لأنه إذا سقطت القراءة عنه كيلا يشتغل عن استماع قراءة الإمام، فالاستفتاح أولى، ولأن قوله تعالى: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ـ يتناول كل ما يشتغل عن الإنصات من الاستفتاح وغيره. انتهى.
ثم إن الراجح والمفتى به عندنا, أن الفاتحة ركن في حق المأموم وهو مذهب الشافعية ومن وافقهم من أهل العلم، وهو الراجح.
وعلى هذا، فيجب عليك قراءة الفااتحة في كل ركعة سواء تعلق الأ مر بأوقات الجهر بالقراءة, أو غيرها، مع التنبيه على أن مذهب الجمهورهو سقوط قراءة الفاتحة عن المأموم ما دام مقتديا بإمام.
اقرأ أيضا:
انشغالي بالعمل يجعلني غير حريص بالسنن والمستحبات..هل علي إثم؟اقرأ أيضا:
هل توجد سورة في القرآن لتقوية الذاكرة وعلاج النسيان؟ (الإفتاء تجيب)