عزيزي المسلم، كيف تتقبل فكرة أن الله عز وجل يحرمك من أمر ما (كنت تنام وتصحى تسأل الله عز وجل أن يمنحك إياه)؟، فقط حينما يمنع الله سبحانه وتعالى عنك شيء كنت تتمناه جدًا، كفتاة كنت تحبها وتتمنى الزواج منها، ومع ذلك تزوجت غيرك، أو فرصة عمل لم تأتك رغم شدة احتياجك لها، أو فرصة سفر عشت طوال عمرك تتمناها إلا أنك تفشل في السفر.
هنا أمامك أمران، أن تتذكر قوله تعالى: «فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا»، وقوله تعالى: «فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا»، واعلم دائمًا أن المنع إذا كان من عند الله فهو قمة العطاء، لأنه يعلم ولا تعلم، ويرى الغيب ولا تراه، ويبصر ما لا يمكن رؤيته أبدًا، فما عليك إلا الرضا، وفي حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحث فيه على الصبر والرضا بما يقدره الله جل وعلا من البلاء، يقول صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي يرويه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه : «إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ».
الحكمة من الابتلاء
في الأساس لابد أن يضع الله عز وجل كل مسلم منا في اختبار معين، فيمنع عنه ما يشاء، أو يحرمه ما يشاء، فإن رضي العبد، عوضه ما هو أفضل وأعظم منه، وإن سخط فليس له إلا سخطه، ومن ثمّ لا بد لكل إنسان من أن يبتلى، وهناك مبتلى في سبيل الشيطان، ومبتلى في سبيل الله.
يقول الله تعالى: «إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ» (النساء: 104)، والصبر سبب لرفع الدرجات وتكفير السيئات، قال تعالى: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (الزمر: 10).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها»، فإذا علم العبد أن ذلك المرض أو البلاء سيكون سببًا في رِفعة درجته وزيادة ثوابه، هان عليه ما يجده من مشقة وعناء وألم، وصار راضيًا بقضاء الله تعالى وقدره، محتسبًا أجره عند الله جل وعلا.
هل هو غضب من الله!
إياك أن تظن أن عدم استجابة الدعاء (غضب من الله)، لأن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم نفى ذلك بالكلية، وجعل البلاء علامة على حب الله تعالى، بل هو خير للمؤمن من أن يُدخر له العقاب في الآخرة، وفي ذلك يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم : «إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة».
لذلك ترى المؤمن يبحث في البلاء عن الأجر، ولا سبيل إليه إلا بالصبر، ولا سبيل إلى الصبر إلا بعزيمة إيمانية وإرادة قوية، وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له».